وذلك أن أبا عبد الله الشيعي لما دخل شهر رمضان سنة ست وتسعين ومائتين سار من رقادة وقد استخلف أخاه أبا العباس على إفريقية في جيوش عظيمة، فاهتز المغرب لخروجه، وخافته زناتة، وزالت القبائل عن طريقه، وأتته رسلهم فدخلوا في طاعته، فلما قرب من سجلماسة بعث اليسع بن مدرار صاحبها إلى عبيد الله وهو في جيشه يسأله عن نسبه وحاله، وهل أبو عبد الله قصد إليه؟ فحلف به أنه ما رأى أبا عبد الله، وإنما أنا رجل تاجر، فأفرده معتقلا بدار وحده، وأفرد ابنه أيضا، فجعل عليهما الحرس، وقرر ولده، فما حال عن كلام أبيه، وقرر رجالا كانوا معه وضربهم، فلم يقروا بشيء.
وبلغ ذلك أبا عبد الله، فشق عليه، وأرسل إلى اليسع يتلطف به وأنه لم يقصده للحرب، وإنما له حاجة مهمة عنده، فرمى الكتب وقتل الرسل، فعاوده بالملاطفة خوفا على عبيد الله، ولم يذكره، فقتل الرسول ثانيا، فأسرع أبو عبد الله في السير، ونزل عليه، فخرج إليه اليسع وقاتله يومه كله، فلما جنه الليل فرق أصحابه من أهله وبني عمه، وبات أبو عبد الله في غم عظيم خوفا على عبيد الله.
فلما أصبح خرج إليه أهل البلد، وأعلموه بهرب اليسع، فدخل هو وأصحابه البلد، وأتوا مكان عبيد الله وأخرجوه وأخرجوا ابنه في يوم الأحد لسبع خلون من ذي الحجة سنة ست وتسعين ومائتين، وقد انتشر في الناس سرور عظيم كادت تذهب منه عقولهم؛ فأركبهما أبو عبد الله، ومشى هو ورؤساء القبائل بين أيديهما، وأبو عبد الله يقول للناس: هذا مولاكم، وهو يبكي من شدة الفرح، حتى وصل إلى فسطاط ضربه له فنزل فيه، وبعث الخيل في طلب اليسع، فأدرك وأخذ، فضرب بالسياط وقتل.