للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أسرع إلى أبى العبّاس الشاشى، وكان يتولّى ديوانه؛ فلما حضر قال: ما فى حاصلك من إقطاعنا؟ فقال: ثلاثة آلاف دينار وكسر، فأحضرها، وقال لأبى العلاء: خذ هذه الثلاثة آلاف دينار وامض بها إلى البابلى وخصّه بسلامنا، وقل له: قد سوّأتنا بما ذكرته من مرضك وما انتهت إليه حالك، والله تعالى يهب عافيتك ولا يغمّنا بك.

فأما ما سألت من مراعاتك فى ولديك والمنع منهما، فلو لم تسأل فى ذلك حفظناك فيهما وراعيناهما لك. وأمّا ما ذكرته من دينك فقد أنفذنا إليك ما تقضيه به. فلما أخذ المال وخرج من القبّة قال ارجع يا عبد الغنى، فعاد إليه فأخذ درجا (١) ووقّع إلى ديوان الخاص بثلاثة آلاف دينار، وكان له فيه إقطاع، وقال امض إلى الجهبذ (٢) بهذا التوقيع فإن كان فى حاصله هذا القدر، وإلاّ قل له يقترض من بيت المال إلى أن يستخرج شيئا فيحمله إليه به عوضا عنها؛ واحمل الجميع إلى البابلىّ. فلم يحتمل أبو العلاء الصّبر عن الكلام وقال: يا سيدنا، ما يقنعك تحمل إليه ثلاثة آلاف دينار حتى تضيف إليها مثلها فتصير ستة! فقال: يا وحش إذا قضى دينه بهذه الثلاثة الآلاف ما يحتاج أن يستدين بعدها، فينفق من هذه الأخرى ولا يستدين. فقال له: والله يا سيدنا إنك لأكرم نفسا من البرامكة، لأنّ أولئك كانوا يجودون من سعة وأنت تجود من ضيق، ولا نسبة بين ما تنظر فيه وما كانوا ينظرون فيه. وخرج فأوصلها إليه. فلما قبض على اليازورى كان أعدى العالم له، وكفر نعمته وإحسانه، وتجرّد له حتى قتله.

وحكى فخر الدولة قال: استدعانى مولانا المستنصر وقال لى يا فخر الدولة، هل


(١) والجمع دروج، الورق المستطيل المركب من عدة أوصال، يكتب فيه ويلف. وكانت الأوصال فى بعض المراحل عبارة عن عشرين وصلا متلاصقة لا غير. السلوك: ٤٧٠:١ نقلا عن محيط المحيط؛ صبح الأعشى: ١٣٨:١.
(٢) الجهبذ كاتب يختص بقبض المال وكتب الوصولات به وعمل الرزنامجات والختمات، ويطالب بما يقبضه ويخرج ما يرفعه من الحساب اللازم له: قوانين الدواوين: ٣٠٤.