للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خمسة أحمال، وفرّق حملين على حرّاسهم. فلم يلتفت أحد منهم إليه، ولا عطف عليه، ما خلا القائد الأجلّ عدة الدولة رفق فإنه شكره وأثنى عليه. وهو مع ذلك يقف بباب البحر، فإذا أقبل عدة الدولة رفق يريد القصر تلقّاه وسلّم عليه، فيكرمه ويسأل عن حاله، ثم يدخل إلى القصر؛ فإذا خرج وجده واقفا على حاله فيسلم عليه ويتبعه إلى داره؛ فإذا دخل انصرف عنه. فأقام على ذلك أياما، فخفّ على قلبه ورغب فى اصطناعه؛ فصار إذا وصل الى داره أمره بالنّزول معه، فينزل، ويتحدثان - وكان حلو الحديث - فيطيل عنده، ثم ينصرف. فصار يشتاقه إذا غاب، ويمسكه إذا أراد الانصراف حتى تحضر المائدة.

وكانت أمّ المستنصر لمّا هلك أبو سعيد توقّفت أمور خدمتها، فأحضرت أخاه وأمرته بخدمتها، فامتنع خوفا من الوزير والأتراك؛ واستمرت ثلاثة أشهر تسأله وهو يمتنع. فحضر أبو محمد اليازورى يوما، فجلس عدة الدولة رفق، وجرى بينهما امتناع أبى نصر، أخى أبى سعيد، من خدمة أم المستنصر، فقال له رفق: أرى أن تكتب رقعة تلتمس خدمتها وتعرض نفسك عليها. فقال أبو محمد: قد كنت أظن جميل رأيك فىّ وإيثارك مصلحة حالى، وأكذبنى ظنّى. فقال: بماذا؟ فقال: الهزء بى، فإنّى قد أجهدت فى العود إلى قرية كنت فيها فبخل علىّ بها. فكيف أتعرّض لهذا الأمر الكبير ومناوأة الوزراء! فقال له: أما ترضانى سفيرا لك فى هذا الأمر، وعلىّ استفراغ الوسع فيه، لوجوب حقّك علىّ، فإن قضت الأقدار ببلوغ الغرض فى ذلك فقد أدركنا ما نؤثره، وإن تكن الأخرى فقد أكثر من العطلة ما تحصّل. فأجاب إلى ذلك، وكتب إلى السّيدة رقعة يعرض نفسه وماله عليها، ويخطب خدمتها، ويبذل الاجتهاد فيها؛ وأخذها منه رفق.

فلما كان من الغد ركب إلى القصر، ودخل إلى السيدة وقد أحضر أبو نصر، وعاودته الخطاب فى خدمتها وهو يمتنع؛ حتى أضجرها؛ فانتهز عز الدولة رفق الفرصة بضجرها وقال: يا مولاتنا، قد طال غلق بابك ووقف خدمتك فى امتناع الشيخ أبى نصر