للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قدر ما جلس الخليفة. فجهّز عسكر فى البرّ مقدّمه حسام الملك النرسى، وسار الأسطول فى أربعين شينيّا فوصلوا إلى عسقلان؛ وخرجت الغارات وعادت بالغنيمة.

فاجتمعت طوائف الفرنج، وكتب إلى حسام الملك أن يقيم بالثغر، ويلقى الفرنج عليه ولا يتعدّاه، فخالف ذلك، وتوجّه مخفّا بغير ثقل ونزل على يافا فقتل وأسر. فعند ما قصده الفرنج رحل وهم يتبعونه حتى وافى تبنى (١) فلقيهم هناك، فانهزم العسكر من غير قتال، وقتل الرّاجل بأسره، وعاد من بقى مهزوما إلى عسقلان.

ووصل الخبر بذلك فأهمّ الآمر والمأمون، واشتد الحنق على حسام الملك لسوء تدبيره؛ فآل أمره بعد أمور إلى أن قتل.

فيها خرج أمر المأمون إلى الواليين بمصر والقاهرة بإحضار عرفاء السقائين وإلزام المتعيّشين منهم بالقاهرة بحضورهم متى دعت الحاجة إليهم ليلا ونهارا. ولذلك ألزم أصحاب القرب وتقرّر أن يبيتوا على باب المعونة ومعهم عدّة من الفعلة بالطّوارى والمساحى، وأن يقوما لهم بالعشاء من أموالهما (٢).

وعمل بعض التجّار لابنته فرحا فى إحدى الآدر المعروفة بالأفراح، فتسوّر ملاّك الدّار على النّساء وأشرفوا عليهن والعروس فى المجلى، فأنكر عليهم ذلك، فأساءوا وأفسدوا على الرّجل ما صنعه؛ فخرج مستغيثا، فخشوا عاقبة فعلهم؛ فما زالوا به حتى كفّ عن شكواهم. فلما حضر (٣) والى مصر بالمطالعة فى الصباح إلى الوزير على عادته، قيل له:

لم لا ذكرت فى مطالعتك ما جرى للتّاجر الذى عمل فرح ابنته؟ فاعتذر بأنّ المرسوم له ألا يذكر ما يخرج عن السّلامة والعافية ولم يتّصل به ما جرى فى الفرح.

فأسمعه ما أمضّه، وبيّن عجزه وتقصيره، وقال له، والسّلامة والعافية أن يخرج بالرّجل ويهان وتنتهك حرمته ولا يجد ناصرا!!.


(١) بالضم ثم السكون فالفتح، مقصورة: بلدة بحوران من أعمال دمشق. معجم البلدان: ٣٦٤:٢.
(٢) القائمان بالعشاء المذكوران واليا القاهرة ومصر. وسيتبين بعد أسطر أن الواليين استخدما السقائين سخرة بغير أجرة، فقرر المأمون لهم أجرا محددا.
(٣) فى الأصل: حضروا. والمثبت هنا أولى. أو لعل المقصود: فلما أحضروا، فسقطت الألف المهموزة من الناسخ.