أرطال بدرهم وثمن. فرأى الصعلوك أن خبزه قد كاد يبرد، فخاف من كساده، فنادى عليه أربعة أرطال بدرهم ليرغب الناس فيه؛ فمال إليه الزبون فاشتروا خبزه لأجل تسمحه بثمن درهم؛ وبار خبز العريف، فغضب ووكل به عونين من الحسبة أغرماه دراهم. ووافق ذلك نزول قاضي القضاة إلى الجامع، فاستغاث به، فأمر بإحضار المحتسب وأنكر ما فعله؛ واعتذر بأن هذا من العريف وأنه لم يتحقق باطن الحال. فأمر القاضي بصرف ذلك العريف وأن يغرم ما أخذ من الخباز؛ والتفت إلى صاحب ديوانه، وقال: ما معك فادفعه إلى هذا الخباز. فناوله قرطاسا فيه ثلاثون رباعيان، فكاد عقله يطير فرحا. وعاد فنادى على الخبز خمسة أرطال بدرهم، فمال إليه الناس، وهو ينادي بزيادة رطل برطل، إلى أن بلغ عشرة أرطال بدرهم. وانتشر ذلك في البلد جميعه، وتسامح الناس به فتسارعوا إليه، فلم يبق في البلد خباز حتى باع عشرة أرطال بدرهم.
وكانت العادة أن يبتاع في كل سنة غلة للسلطان بمائة ألف دينار ويمحل متجرا. فلما عاد القاضي إلى القاهرة مثل بحضرة الخليفة وعرفه ما مر به في يومه من إرخاص السعر بغير موجب؛ وقال: يا مولانا، إن المتجر الذي يقام بالغلة فيه مضرة كبيرة على المسلمين، وربما انحط السعر عن مشتراها فلا يمكن بيعها، فتتغير في المخازن وتتلف، وأنه يقام متجر لا كلفة على الناس فيه، ويفيد أضعاف فائدة الغلة، ولا يخشى عليه من تغير في المخازن ولا انحطاط سعر؛ وهو الخشب والصابون والحديد والرصاص والعسل وما أشبه ذلك. فأمضى الخليفة ما رآه، وبطل المتجر في الغلة وتوسع الناس بذلك.