وكان عمره يوم قتل أربعاً وثلاثين سنة وتسعة أشهر واثنين وعشرين يوما، ومدة خلافته تسع وعشرون سنة وثمانية أشهر وخمسة عشر يوما؛ وما زال محكوما عليه حتى قتل الأفضل، فتزايد أمره عما كان عليه أيام الأفضل. فلما قبض على وزيره المأمون استبد بالأمور، وتصرف في سائر أحوال المملكة، وأكثر من الركوب، ورتب لركوبه ثلاثة أيام من كل أسبوع وهي يوم الجمعة ويوم السبت ويوم الثلاثاء، فإذا لم يتهيأ له الركوب في أحد هذه الأيام ركب في يوم غيره. فكان يمضي أبداً في يومي الثلاثاء والسبت إلى النزهة في بستان البعل والتاج والخمس وجوه وقبة الهواء، من ظاهر القاهرة، أو إلى دار الملك بمصر، أو بالهودج الذي أنشأه بجزيرة مصر التي يقال لها اليوم الروضة.
وكان يتجول في أيام النيل في القصر بخدمه ويسكن في اللؤلؤة المطلة على خليج القاهرة. وكان الناس يوم ركوبه يخرجون من القاهرة ومصر بمعايشهم ويجلسون للنظر إليه، فيكون كيوم العيد. وصار الناس مدة أيامه التي استبد فيها في لهو وعيش رغد لكثرة عطائه وعطاء حواشيه وأستاذيه، لا سيما غلامه بزغش ورفيقه هزار الملوك جوامرد، حتى إنه لا يكاد يوجد في مصر والقاهرة من يشكو زمانه لبسطهم الرزق بين الناس وتوسعهم في العطاء. ثم تنكد عيش الناس بقيام الراهب وكثرة مصادراته، وشره حينئذ الآمر في أخذ أموال الناس، فقبحت سيرته، وكثر ظلمه واغتصابه لأملاك كثيرة من أملاك الناس، مع ما فيه من التجرؤ على سفك الدماء وارتكاب المحذورات واستحسان القبائح.
وفي أيامه ملك الفرنج كثيرا من المعاقل والحصون بسواحل البلاد الشامية؛ فملكت عكا في شعبان سنة سبع وتسعين، وعرقة في رجب سنة اثنتين وخمسمائة؛ واستولوا على مدينة طرابلس الشام بالسيف في يوم الاثنين لإحدى عشرة خلت من ذي الحجة سنة اثنتين