فتتيقنوا أن حلاكم قد ذكرت له، فتعملوا الحيلة في فراركم من مصر؛ وإن لم يعرفها فتطمئنوا حينئذ وتعرفوا أن القوم في غفلة. فقالوا: ما يتسع لنا قتل واحد منا ينقص عددنا وما بذاك أمرنا. فقال: أليس هذا من مصلحتنا ومصلحة من تلزمنا طاعته؛ وما دللتكم إلا على نفسي. وأسرع بسكين فذبح بها نفسه فمات، وأخذوا رأسه ورموها في الليل بين القصرين، وأصبحوا ينظرون ما سبق، فلما رئيت الرأس واجتمع الناس عليها لم يقل أحد إنه عرفها، فحملت إلى الوالي، فأحضر عرفاء الأسواق على أرباب المعايش وأوقفهم عليها فلم يعرفها أحد. فأحضر أصحاب الأرباع بالحارات فلم يعرفوها. ففرح النزارية واطمأنوا بالإقاقة في مصر لقضاء مرادهم.
وكان الآمر كثير الفرج محبا للهو؛ فركب في يوم الثلاثاء الرابع من ذي القعدة يريد أن يجيء إلى الهودج الذي بناه بجزيرة مصر لمحبوبته البدرية؛ ومن العادة في الركوب أن يشاع في أرباب الخدم بالموكب جهة قصد الخليفة حتى لا يتفرقوا عنه، فعلم النزارية أين يقصد فجاءوا إلى الجزيرة المذكورة ودخلوا فرناً قبالة الطالع من الجسر إلى البر، ودفعوا إلى الفران دراهم ليعمل لهم فطيراً بسمن وعسل، فبينما هم في أكله وإذا بالخليفة الآمر قد عبر من كرسي الجسر بمصر وجاز عليه وقد تفرق عنه الركابية ومن يصونه بسبب ضيق الجسر. فلما طلع من ذا الجسر يريد العبور إلى الجزيرة وثبوا عليه وثبة رجل واحد وضربوه بالسكاكين، وواحد منهم صار خلفه على كفل الدابة وضربه عدة ضربات. فأدركهم الناس وقتلوهم، وكانوا تسعة، وحمل الآمر في عشاري إلى اللؤلؤة، وكانت أيام النيل، فمات من يومه؛ وحمل من اللؤلؤة وهو ميت إلى القصر.