للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى بيت المال. فحظى بذلك عند سلطانه، وتمكّن منه، وارتفع قدره حتى سأل أن يكتب على سكة نقش عليها: ضربت فى دولة آل الهدى من آل طه وياسين، مستنصر بالله جلّ اسمه، وعبده الناصر للدين سنة كذا، وطبعت عليها الدنانير مدة شهر ثم أمر المستنصر بمنعها، ونهى أن تسطّر فى السّير.

وكانت أيام نظره حوامل لتوالى الفتوحات وعمارة الأعمال. وكان شريف الأخلاق، عالى الهمة كريم الطباع، وطئ الأكناف، مستحكم الحلم، واسع الصّدر، ندىّ الوجه، يستقلّ الكثير، ويستصغر كل كبير. وكان إذا أعطى أهنأ، وإذا أنعم على إنسان أسبغ، وإذا اصطنع أحدا رفعه إلى ما تقصر الآمال والأمانى عنه؛ مع عظيم الصّدقة، وجزيل البرّ الذى عمّ به أهل البيوتات مما جعله لهم من المشاهرات على مقاديرهم. وكذلك الأشراف والفقراء وأهل الستر بالقرافة، فكان يجرى عليهم البرّ والكساء على يد بعض اليهود، ويعرف بابن عصفورة، وكيل السيدة أم المستنصر، فكانوا يظنون أنه من إنعامها؛ فلما زالت أيامه انقطع عنهم ما كان يصل إليهم من البرّ، فخاطبوا ابن عصفورة وقالوا:

قد جفينا من مولانا ومولاتنا، فلو أدركتهما بنا فقال لهم: ما ترون ما كان يجيئكم حتى يتولّى الله ناصر الدين أخى (١). فقالوا: نحن التمسنا من مولانا المستنصر ومولاتنا السّيدة الوالدة ولم نلتمس من ناصر الدّين. فقال: ما كان يجيئكم ذاك إلاّ من الوزير. فعجبوا من ذاك وأكثروا من الترحّم عليه.

ومما يذكر عنه أنه كتب: العالى بالله إدريس بن المعتلى بالله يحيى بن الناصر لدين الله على بن حمّود (٢) من خالقه إلى مصر مكاتبة يقول فيها: «من أمير


(١) فى الأصل: حتى يتولى الله ناصر دين أخى، وعدلنا إلى المثبت ليتضح النص، وساعد على هذا أن «ناصر الدين» لقب للوزير.
(٢) وهو إدريس الثانى بن يحيى بن على بن حمود، ثالث أمراء بنى حمود، وقد اتخذت هذه الأسرة لقب أمير المؤمنين، وهم من ملوك الطوائف بالأندلس ومقر حكمهم ملقة. Mohammadan Dynasties .