واستقر الأمر بينه وبين الفرنج أن يكون لهم بالقاهرة شحنة؛ وأن تكون أسوارها بيد فرسانهم ليمتنع نور الدين من إرسال عسكر إليها؛ وأن يكون لهم من دخل ديار مصر في كل سنة مائة ألف دينار. قرر لهم شاور ذلك من غير علم العاضد ولا مشاورته، فإنه كان ممنوعاً من التصرف وشاور يستبد بأمور الدولة. فرحل الفرنج إلى بلادهم وتركوا بالقاهرة عدةً من مشاهير فرسانهم، ورتبوا بها ابن بارزاني والياً.
ووصل شيركوه إلى دمشق في ثامن عشر ذي القعدة وفي نفسه من مصر ما لا ينفصل، لأنه خبر متحصلها، وعرف بلادها واستخف بأهلها.
واستقر شحنة الفرنج أولاً بالقاهرة في الموضع المعروف اليوم بقصر بيسرى من الخرنشف. وبعث الكامل شجاع بن شاور إلى نور الدين مع بعض الأمراء ينهي محبته وولاءه، ويسأل الدخول في طاعته، وضمن له عن نفسه أنه يفعل هذا ويجمع الكلمة على طاعته، وبذل له مالاً يحمله إليه كل سنة، فأجابه، وحمل إلى نور الدين مالاً جزيلاً.
وأخذ شاور بعد عوده من الإسكندرية في الإكثار من سفك الدماء بغير حق، فكان يأمر بضرب الرقاب بين يديه في قاعة البستان من دار الوزارة ثم تسحب القتلى إلى خارج الدار. واشتد ظلم إخوته وأولاده وغلمانه ومن يلوذ به، وكثر تضرر الناس بهم. فكان