لا يصح التماسه لذلك، لأنّ من أسر من بلاد الرّوم تفرقوا فى الممالك بالعراق والدولة الفاطمية والمغرب واليمن وغير ذلك، ولا حكم للحضرة على جميع الممالك، ويرتجع منها ما صار فى أيدى أهلها؛ وبلاد الروم بخلاف ذلك، ومن حصل فيها من المسلمين كمن هو معتقل فى دار واحدة لا يمكنه الخروج منها إلاّ بإذن أهلها؛ وبين الحالين فرق كبير. فأجاب بأنه لا يطلق من فى بلاده من أسرى المسلمين. فاشترط عليه النّزول عما صار فى أيدى الروم من الحصون الإسلامية؛ فامتنع من ذلك وقال إذا سلّم إلينا ما صار فى أيدى المسلمين من حصون المسلمين من حصون الروم سلّم ما فى أيديهم من حصون المسلمين. فبدل الجيش بجيش آخر، وخرج مع مقدّمه الأمير السعيد ليث الدولة، فنازل اللاّذقية حتى فتحها، ووقع العنف فيها. وأجيب بأنه لا يصح أن يسلّم إليهم ما صار فى أيدى المسلمين من الحصون لأنهم قد أنبتوا فيها العقارات وأنشئوا فيها البساتين. فقال: يدفع لهم عن أملاكهم وما أنشئوه من البساتين وغيرها، وما أنفقوه فيها، وينتقلون عنها إلى غيرها من بلاد المسلمين. فأجابوا إلى أن يسلموا ما فى أيديهم من الحصون الإسلامية.
وكانت العادة جارية بأنه إذا وصلت هديّة من الرّوم إلى الحضرة تقوّم ويحمل إليهم هدية موضعها بثلثى قيمتها، ليكون للإسلام مزية عليهم بالثلث؛ فاشترط أن يكون قيمة ما يحمل إليهم من الهديّة عوضا عن قيمة هديتهم النّصف؛ فأجابوا إلى ذلك أيضا. فاشترط عليهم أن يردّوا كلّ من تضمّه دار البلاد، التى هى دار الملك ومحلّه؛ فامتنع من ذلك.
فأمدّ الجيش بجيش ثالث وعليه أميران، هما موفق الدولة حفاظ بن فاتك وأبو الجيش عسكر بن الحلى، ومقاد جميع الجيش إلى الأمير مكين الدولة وأمينها ابن ملهم. فأوغلوا فى بلاد الروم ينهبون ويقتلون ويأسرون حتى أعظموا النكاية فيها، والرسل والمكاتبات تتردد، إلى أن استقر القيام بالجزية التى التمسها أمراء البلاط، وجهزت الهدية. وبلغت الجزية المذكورة نيفا وثلاثين ألف دينار.