ولففت بها أفخاذي، وزحفت إلى باب الدار وخرجت أزحف إلى أن وقعت إلى الناس، فحملت إلى بيتي، وعرفتهم بموضعه، فمضوا إلى الوالي فكبس عليه وضرب عنقه؛ وأقامت الدماء في أفخاذي سنةً إلى أن ختم الجرح، وبقي هكذا حفرا.
وآل أمر الخليفة المستنصر إلى أن صار يجلس على نخ أو حصير؛ وتعطلت دواوينه وذهب وقاره، وخرج من نساء قصوره ناشرات شعورهن يصحن: الجوع الجوع، وهن يردن المسير إلى العراق، فتساقطن عند المصلى بظاهر باب النصر من القاهرة، ومتن جوعاً. جاء الوزير يوماً على بغلة فأكلها العامة، فأمر بهم فشنقوا، فاجتمع الناس على المشنقين وأكلوهم. وعدم المستنصر القوت جملةً حتى كانت الشريفة بنت صاحب السبيل تبعث إليه كل يوم بقعب من فتيت من جملة ما كان لها من البر والصدقات في سني هذا الغلاء، حتى أنفقت مالها كله، وكان يجل عن الإحصاء، في سبيل البر؛ فلم يكن للمستنصر قوت سوى ما كانت تبعث به إليه، وهو مرة واحدة في اليوم، لا يجد غيره. وبعث بأولاده إلى الأطراف لعدم القوت، فسير الأمير عبد الله إلى عكا فنزل عند أمير الجيوش، وأرسل الأمير أبا علي معه؛ وبعث الأمير أبا القاسم والد الحافظ إلى عسقلان، وسيره أولا إلى دمياط؛ ولم يترك عنده سوى ابنه أبي القاسم أحمد.
وبعث المستنصر يوما إلى أبي الفضل عبد الله بن حسين بن شورى بن الجوهري الواعظ، فدخل القاهرة من باب البرقية، فلم يلق أحداً إلى القصر؛ فجاء من باب البحر، فوجد عليه شيخاً، فقال استأذن علي؛ فقال: ادخل فهو وحده؛ فدخل، فلم ير أحداً في الدهاليز ولا القلعة، فأنشد: