للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الروم؛ بالقسطنطينية فى صفر من هذه السنة، فتلقاه الملك وأدخله عليه، وسأله عن السلطان طغرلبك؛ فذكر له الرّسالة، وطلب منه مقاطعة صاحب مصر، وإطلاق أبى غالب، وإرسال رسول المعزّ إليه. فقال له: صاحب مصر مجاور لنا (١)، وبيننا وبينه عهود وهدنة، وقد بقى منها سنتان، ولا يمكن فسخها؛ وأما رسل المعزّ والرسل إليه فهم قوم يسعون فى الفساد.

وتردّد القول إلى أن أطلق أبا غالب وأجازه إلى المعز، وعاد أبو على ورفيقه إلى بغداد فى بقية السنة.

وفيها قصر مدّ النيل (٢)، ولم يكن فى المخازن السلطانية شيء من الغلال، فاشتدت المسغبة بمصر. وكان لخلوّ المخازن السلطانية من الغلال سبب، وهو أن الوزير اليازورى لما تقلّد وظيفة قضاء القضاة فى وزارة أبى البركات الجرجرائى كان ينزل إلى الجامع بمصر فى يومى السبت والثلاثاء من كل جمعة، فيجلس فى الزيادة منه للحكم، على رسم من تقدّمه من القضاة، وإذا أقبل العصر طلع إلى القاهرة. وكان فى كلّ سوق من أسواق مصر على أرباب كل صنعة من الصنائع عريف يتولى أمورهم؛ وكانت عادة أخباز مصر فى أزمنة المساغبة متى بردت لا يرجع منها إلى شيء لكثرة ما تغشّ به. وكان لعريف الخبّازين دكان وكان يبيع الخبز، وبحذائها دكان لصعلوك يبيع الخبز أيضا، وكان سعره يومئذ أربعة


(١) لصاحب النجوم الزاهرة رأى طريف فى مثل هذا اللقب جاء فيه «أول ما سمعنا من هذه الألقاب لقب بهاء الدولة ابن بويه (ركن الدين). قلنا (القائل صاحب النجوم) لعل ذلك كان تعظيما فى حقه لكونه سلطانا، فيكون هذا على هذا الحكم هو أول لقب لقب به فى الإسلام. والله أعلم. ومن يومئذ ظهرت الألقاب وتغالت فيها الأعاجم حتى إنهم لم يدعوا شيئا إلا وأضافوا الدين له. وأنا بالله أحلف لو ملكت أمرى ما لقبت بجمال الدين ولا غيره وأكره من يسمينى بذلك ولا أقدر على تغيير الاصطلاح. وهذا لا يكون إلا من ولى أمر أو حاكم بلدة». اه. النجوم الزاهرة: ٢٦٢:٤ - ٢٦٣.
(٢) كانت زيادة النيل فى هذه السنة سبع عشرة ذراعا وخمس أصابع. النجوم الزاهرة: ٥٤:٥. وهذا ليس قصورا. يقول ابن مماتى: إذا أو فى النيل ست عشرة ذراعا فقد وجب الخراج، وإذا زاد عن ذلك ذراعا زاد فى الخراج مائة ألف دينار، فإن نقص ذراعا نقص الخراج مائة ألف دينار. قوانين الدواوين: ٧٦. (ويذكر أيضا أن الذراع التى يقاس بها إلى اثنى عشر ذراعا ثمانية وعشرون إصبعا، ومن بعد ذلك يكون الذراع أربعة وعشرين إصبعا. نفس المصدر).