دينار بتسعين دينارا اشترى بها دون تليس دقيق. وعم مع الغلاء وباء شديد؛ وشمل الخوف من العسكرية وفساد العبيد. فانقطعت الطرقات براً وبحراً إلا بالخفارة الكبيرة مع ركوب الغرر. وبيع رغيف من الخبز زنته رطل في زقاق القناديل كما تباع التحف والطرق في النداء: خراج! خراج! فبلغ أربعة عشر درهما؛ وبيع أردب قمح بثمانين ديناراً. ثم عدم ذلك كله، وأكلت الكلاب والقطط، فبيع كلب ليؤكل بخمسة دنانير. وأبيعت حارة بمصر بطبق خبز، حساباً عن كل دار رغيف، فعرفت تلك الحارة بعد ذلك بحارة طبق، وما زالت تعرف بذلك حتى دثرت فيما دثر من خطط مصر. وأكل الناس نحاتة النخل؛ ثم تزايد الحال حتى أكل الناس بعضهم بعضا.
وكان بمصر طوائف من أهل الفساد قد سكنوا بيوتاً قصيرة السقوف قريبةً ممن يسعى في الطرقات، فأعدوا سلباً وخطاطيف، فإذا مر بهم أحد شالوه في أقرب وقت، ثم ضربوه بالأخشاب وشرحوا لحمه وأكلوه. قال الشريف أبو عبد الله محمد الجواني في كتاب النقط: حدثني بعض نسائنا الصالحات قالت: كانت لنا من الجارات امرأة ترينا أفخاذها وفيها كالحفر، فتقول: أنا ممن خطفني أكلة الناس في الشدة، فأخذني إنسان، وكنت ذات جسم وسمن، فأدخلني بيتاً فيه سكاكين وآثار الدماء وزفرة القتيل، فأضجعني على وجهي وربط في يدي ورجلي سلباً إلى أوتاد حديد، عريانةً، ثم شرح من أفخاذي وأنا أستغيث ولا أحد يجيبني، ثم أضرم الفحم وأسوى من لحمي وأكل أكلاً كثيراً؛ ثم سكر حتى وقع على جنبيه لا يعرف أين هو؛ فأخذت في الحركة إلى أن تخلى أحد الأوتاد، وأعان الله على الخلاص، وخلصت، وحللت الرباط، وأخذت خروقا من داره