ومعاداة أعدائها، لم يزدهم قربهم من الدّولة الفاطميّة إلاّ نفورا، ولا ملأهم إحسانها إليهم إلاّ حقدا وعداوة لها، حتى قووا بنعمتها على زوالها، واقتدروا بها على محوها.
وكانت أساسات دولتهم راسخة فى التّخوم، وسيادة شرفهم قد أنافت على النجوم، وأتباعهم وأولياؤهم لا يحصى لهم عدد، وأنصارهم وأعوانهم قد ملئوا كلّ قطر وبلد؛ فأحبّوا طمس أنوارهم، وتغيير منارهم، وإلصاق الفساد والقبيح بهم، شأن العدوّ وعادته فى عدوّه.
فتفطّن، رحمك الله، إلى أسرار الوجود، وميّز الأخبار كتمييزك الجيد من النقود، تعثر إن سلمت من الهوى بالصّواب. وممّا يدلّك على كثرة الحمل عليهم أنّ الأخبار الشنيعة، لا سيّما الّتى فيها إخراجهم من ملّة الإسلام، لا تكاد تجدها إلاّ فى كتب المشارقة من البغداديّين والشاميّين، كالمنتظم لابن الجوزى، والكامل لابن الأثير، وتاريخ حلب لابن أبى طىّ، وتاريخ العماد لابن كثير، وكتاب ابن واصل الحموى، وكتاب ابن شدّاد، وكتاب العماد الأصفهانى، ونحو هؤلاء. أمّا كتب المصريّين الّذين اعتنوا بتدوين أخبارها فلا تكاد تجد فى شيء منها ذلك البتة. فحكّم العقل، واهزم جيوش الهوى، وأعط كلّ ذى حقّ حقه، ترشد إن شاء الله تعالى.