للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيها مات بألموت الحسن بن صباح كبير الإسماعيلية. وقد تقدّم أنه ورد مصر فى أيّام المستنصر وسار إلى المشرق بدعوته، واستولى على قلعة ألموت واعتقد إمامه نزار بن المستنصر، وأنكر إمامة المستعلى وإمامة الآمر. وانتدب عدّة لقتل الأفضل ابن أمير الجيوش فلمّا تقلّد المأمون البطائحى وزارة الآمر بعد قتل الأفضل بلغه أنّ ابن صباح والباطنيّة فرحوا بموت الأفضل، وأنهم تطاولوا لقتل الآمر والمأمون، وأنّهم بعثوا طائفة لأصحابهم بمصر بأموال. فتقدّم المأمون إلى والى عسقلان بصرفه وإقامة غيره، وأمره بعرض أرباب الخدم بها، وألا يترك فيها إلاّ من هو معروف من أهل البلاد؛ وأكّد عليه فى الاجتهاد والكشف عن أحوال الواصلين من التّجّار وغيرهم، وأنّه لا يثق بما يذكرونه من أسمائهم وكناهم وبلادهم، بل يكشف من بعضهم عن بعض ويفرّق بينهم ويبالغ فى الاستقصاء.

ومن يصل ممّن لم تجر عادته بالمجيء إلى البلاد فليعوقه بالثغر ويطالع بحاله وما معه من البضائع، ولا يمكن جمّالا من دخول مصر إلاّ أن يكون معروفا متردّدا إلى البلاد؛ ولا يسير قافلة إلا بعد أن يتقدّم كتابه إلى الدّيوان بعدّة من فيها وأسمائهم وأسماء غلمانهم وأسماء الجمّالين وذكر أصناف البضائع، ليقابل بها فى مدينة بلبيس وعند وصولهم إلى الباب، وأنه يكرّم التجّار ويكفّ الأذى والضّرر عنهم.

ثم تقدّم المأمون إلى والى مصر ووالى القاهرة بأن يصقعا البلدين شارعا شارعا وحارة حارة وزقاقا زقاقا وخطّا خطّا، ويكتبا أسماء سكّانها، ولا يمكّنا أحدا من النّقلة من منزل الى منزل حتّى يستأذناه ويخرج أمره، بما يعتمد فى ذلك. فمضيا لذلك، وحرّرا الأوراق بأسماء جميع سكّان القاهرة ومصر وذكر خططهما، والتّعريف بكنية كلّ واحد وشهرته وصناعته وبلده، ومن يصل إلى كلّ خط وحارة من الغرباء.

فلمّا عرف ذلك المأمون انتدب نساء من أهل الخبرة والمعرفة للدخول إلى جميع المساكن والاطلاع على أحوال ساكنيها الباطنيّة ومطالعته بجميع ما يشاهدنه فيها؛ فكانت أحوال كافّة الناس على اختلاف طبقاتهم وتباين أجناسهم من ساكنى مصر والقاهرة تعرض عليه، ولا يكاد يخفى عنه منها شيء البتّة. فامتنع لذلك الباطنيّة مما كانوا قد عزموا عليه من الفتك بالآمر وبالمأمون لكفّهم عن دخول البلد.