معهما حديث ألبتة. فقال له الخادم: يا أمير المؤمنين، إنهم قد اتفقوا على أذى الناس، وقد جعلك الله خليفةً في الأرض واسترعاك على عباده، وكل راع مسئول عن رعيته. فشق على الخليفة، وعمل فيه كلام الأستاذ، وخرج؛ فمات بات حتى صرف صاحبي الديوان واعتقلهما، ليستعيد منهما ما أخذاه للناس ظلماً؛ واستدعى الراهب، وكان بحضرته رجل من الأشراف، فلما حضر الراهب أنشد:
إنّ الذي شرّفت من أجله ... يزعم هذا أنّه كاذب
فقال الآمر للراهب: يا راهب، ماذا تقول؟ فسكت. فأمر حينئذ والي مصر بأخذه إلى الشرطة وضربه بالنعال حتى يموت. فمضى به إلى شرطة مصر، وما زال يضرب بالنعال حتى مات، فجر بكعبه إلى عند كرسي الجسر مسحوباً، وسمر على لوح، وطرح في بحر النيل؛ فكان كلما وصل إلى ساحل من سواحل مصر وهو منحدر دفعوه إلى البحر؛ فلم يزل حتى خرج إلى البحر الملح، واشتهر ذكره، وسارت الركبان بهلاكه.
وكان هذا الراهب أولا من أشمون طناح، وترهب على يد أبي إسحاق بن أبي اليمن، وزير ابن عبد المسيح متولى ديوان أسفل الأرض، ثم قدم إلى القاهرة واتصل بخدمة ولي الدولة أبي البركات يحنا بن أبي الليث، كاتب المجلس. فلما قتل الوزير المأمون