إذا أردت أن تصنع كلاماً فأخطر معانيه ببالك. وتنق له كرائم اللفظ واجعلها على ذكر منك ليقرب عليك تناولها ولا يتعبك تطلبها. واعلمه ما دمت في شباب نشاطك فإذا غشيك الفتور وتخونك الملال فأمسك. فإن الكثير مع الملال قليل والنفيس مع الضجر خسيس. والخواطر كالينابيع يسقى منها شيء بعد شيء فتجد حاجتك من الري وتنال أربك من المنفعة فإذا أكثرت عليها نضب ماؤها وقل عنك وعناؤها. واعلم أن ذلك أجدى عليك مما يعطيك يومك الأطول بالكد والمطالبة والمجاهدة والتكلف والمعاودة. وإياك والتوعر فإن التوعر يسلمك إلى التعقيد والتعقيد هو الذي يستهلك معانيك ويشين ألفاظك. ومن أراد معنى كريماً فليلتمس له لفظاً كريماً فإن من حق المعنى الشريف اللفظ الشريف. فإذا لم تجد اللفظة واقعة موقعها صائرة إلى مستقرها حالة في مركزها متصلة بسلكها بل وجدتها قلقة في موضعها نافرة عن مكانها فلا تكرهها اغتصاب الأماكن والنزول في غير أوطانها فإنك إن لم تتعاط قريض الشعر المنظوم ولم تتكلف اختيار الكلام المنثور لم يعبك بذلك أحد. وإن تكلفته ولم تكن حاذقاً مطبوعاً ولا محكماً لشأنك بصيراً عابك من أنت أقل عيباً منه وزرى عليك من هو دونك.
فإن لم تسمح لك الطبيعة بنظم الكلام في أول وهلة وتعصى عليك بعد إجالة الفكرة فلا تعجل ودعه سحابة يومك ولا تضجر وأمهله سواد ليلتك وعاوده عند نشاطك فإنك لا تعدم الإجابة والمؤاتاة. فإن تمنع عليك بعد ذلك مع ترويح الخاطر وطول الإمهال فتحول