الصدور ورتبوه وبوبوه وصنفوه كتباً، وكان من أقوى الأسباب لإقبال العلماء على التصنيف حث الخليفة أبي جعفر المنصور عليه وحمله الأئمة والفقهاء على جمع الحديث والفقه ولم يقتصر على معاضدة العلوم الإسلامية بل أوعز إلى العلماء والمترجمين أن ينقلوا إلى العربية من الفارسية واليونانية فنون الطب والسياسة والحكمة والفلك والتنجيم والآداب، وتابعه في ذلك أولاده وأحفاده حتى زخرت بحور العلم واخترعت الفنون وتفرعت المسائل ودونت الكتب في كل فن.
[كتابة التصنيف والتدوين]
وكانت كتابة التصنيف والتدوين في القرن الأول وبعض الثاني من النهضة عبارة عن سلسلة من الروايات المسندة إلى رواتها، وبعضها يروى بلفظ أصحابها غالباً: كما في الشعر والخطب والرسائل، وبعضها بلفظ الراوي كما في أخبار الفتوح والتاريخ والقصص، ثم ظهرت بعد ذلك في العلوم الشرعية واللسانية طبقات الاستنباط والتعليل والتفريع والشرح والاختصار وجمع الفروع تحت كليات عامة فلم يكن للمؤلفين بد من حذف أسانيد الروايات وترك المحافظة على نقلها بلفظها إلا في الحديث ونحوه.
أما كتب العلوم المترجمة فكانت عبارتها هي تفسير ألفاظها الأعجمية بالعربية، ولم تكن ترجمتها جيدة في عصر المنصور، ثم صححت ترجمتها في زمن الرشيد والمأمون. ثم لما أتقن كثير من فلاسفة المسلمين هذه العلوم كتبوا فيها بعبارتهم، وكانت أول أمرها بليغة مفهومة ثم عموها على بعض الفقهاء المفكرين لهم والمغرين الأمراء والسلاطين بقتلهم، حتى أصبحت عبارة كتب الفلسفة والتوحيد أصعب ما يقرأ باللسان العربي.
[العلوم اللسانية ونشأتها]
العلوم اللسانية هي الأدب، والتاريخ، والعروض، والنحو، واللغة، والبلاغة.