وبيننا لو رعيتمْ ذاك معرفة ... أن المعارفَ في أهل النّهى ذممُ
كم تطلبون لنا عيباً فيعجزكم ... ويكره الله ما تأتون والكرمُ
إذا ترحلتَ عن قوم وقد قدروا ... ألا تفارقهمْ فالراحلون همُ
ومن قوله:
ذو العقلِ يشقى في النّعيم بعقله ... وأخو الجهالةِ في الشقّاوة ينعمُ
لا يخدعنكَ من عدوًّ دمعهُ ... وارحمْ شبابك من عدوًّ ترحمُ
لا يسلم الشرفُ الرفيعُ من الأذى ... حتى يراقَ على جوانبه الدّمُ
والظلمُ من شيمِ النفوس فإن تجدْ ... ذا عفَّة فلعلَّة لا يظلم
ومن البليّة عذلُ من لا يرعوي ... عن غيّة وخطابُ من لا يفهم
ومن العداوة ما ينالك نفعة ... ومن الصّداقة ما يضرُّ ويؤلم
ومن قوله:
ما كنت أحسبُ قبل دفنك في الثَّرى ... أن الكواكبَ في التراب تموزُ
ما كنت آملُ قبل نعيك أن أرى ... رضوى على أيدي الرجال يسير
خرجوا به ولكلّ باكٍ حوله ... صعقاتُ موسى يومَ دكَّ الطُّور
حتى أتوا جدثاً كأن ضريحه ... في كل قلب موجدٍ محفور
كفلَ الثناءُ له بردّ حياتهِ ... لمَّا انطوى فكأنه منشور
[(١٠) ابن هانئ الأندلسي]
هو أبو القاسم محمد بن هانئ الأزدي الأندلسي شاعر الغرب ومتنبيه والمؤثر فخامة ألفاظه على رقة معانيه، وأحد المفرطين في غلو المدح واستعمال الاستعارة والتشبيه.
ولد بأشبيلية ٣٢٦ هـ? ولما نبه شأنه اتصل بعامل أشبيلية زمن المستنصر الأموي، ومدحه بغرر القصائد فأحله منه منزلة سنية وأغدق عليه العطايا فأكب على اللهو والطرب والاستهتار، واتهم بالزندقة والكفر لاشتغاله بالفلسفة.
ولما شاع ذلك عنه نقمة أهل أشبيلية وأشركوا عاملها في التهمة