والعربي والعجمي كالأخبار الصادقة وأوصاف المشاهدات وشرح الوجدانات كما يمليها الخاطر بلا مبالغة ولا إغراق. ومنها ما هو غريب نادر انتزعه الخيال من المرئيات البديعة والأشكال المنتظمة وذلك ما يسمى بالمعنى المخترع الذي تتفاضل الشعراء بالإجادة فيه والإكثار منه وإذا قسنا الشعر الجاهلي بهذا المعيار وجدنا معانيه وأخيلته تمتاز بالأمور التالية:(١) جلاء المعاني وظهورها ومطابقتها للحقيقة والواقع.
(٢) قلة البالغة والغلو فيها بما يخرجها عن حد العقل ومألوف الطبع.
(٣) قلة المعاني الغريبة المنزع الدقيقة المأخذ المتجلية في صور الخيال البديع والتشبيه الطريف والاستعارة الجميلة والكناية الدقيقة وحسن التعليل وغير ذلك.
(٤) قلة تأنقهم في ترتيب المعاني والأفكار على النظام الذي يقتضيه الذوق فيدخلون معنى في معنى وينتقلون من غرض إلى آخر اقتضاباً بدون تخيل ولا تلطف.
[(٣) ألفاظه وأساليبه]
ولما كانت العرب أمما بدوية تنظم الشعر بطبعها من غير معاناة صناعة ولا دراسة علم. غلب على شعرها صراحة القول وقلة المواربة فيه والبعد عن التكلف وصحة النظم والوفاء بحق المعنى أضف إلى ذلك الأمور الآتية:(١) جودة استعمال الألفاظ في معانيها الموضوعة لها: لإحاطة علمهم بلغتهم ومعرفتهم بوجوه دلالتها.
(٢) غلبة استعمال الألفاظ الجزلة واستعمال الألفاظ الغريبة التي هجرت عند المحدثين.
(٣) القصد في استعمال ألفاظ المجاز ومقت استعمال العجمي إلا ما وقع نادراً.
(٤) عدم تعمد المحسنات البديعية اللفظية، ومتانة الأسلوب بحسن إيراد المعنى إلى النفس من أقرب الطرق إليها وأطرافها لديها وإيثار المجاز أو قلة الإسهاب إلا إذا دعت الحال.