فحصف عقله ولطف خياله بالاطلاع عليها. وهو الذي مهد طريق الحكم والأمثال للمتنبي وأبي العلاء وغيرهما، ولذلك كان يقال إن أبا تمام والمتنبي حكيمان والشاعر البحتري.
وأجاد أبو تمام في كل فن من فنون الشعر، أما مراثيه فلم يعلق بها أحد جاش صدره بشعر، وأشهرها القصيدة التي رثي بها محمد بن الطائي ومنها:
كذا فخليلَّ الخطبُ وليفدحِ الأمرُ ... فليسَ لعينٍ لم يفض ماؤها عذرُ
توفيتِ الآمالُ بعد محمد ... وأصبح في شغلٍ عن السَّفر السفرُ
وما كان إلاَّ مالَ من قلّ ماله ... وذخراً لمن أمس وليس له ذخر
وما كان يدري مجتدى جودٍ كفه ... إذا ما استهلّتْ أنهُ خلق العسرُ
ألا في سبيل الله من عطّلت له ... فجاجُ سبيل الله وانثغرَ الثغرُ
فتى كلّما فاضت عيون قبيلة ... دماً ضحكت عنهُ الأحاديث والذكر
فتى دهره شطران فيما ينوبه ... ففي بأسه شطر وفي جوده شطر
فتى مات بين الطَّعن والضرب ميتة ... تقوم مقامَ النصر إنْ فاته النصرُ
وما مات حتى مات مضربُ سيفه ... من الضرب واعتلّت عليه القنا السُّمر
وقد كان فوتُ الموت سهلاً فرّده ... إليه الحفاظ المرُّ والخلقُ الوعرُ
ونفسٌ تعاف العارَ حتى كأنما ... هو الكفر يوم الرّوع أو دونه الكفر
فأثبتَ في مستنقع الموت رجله ... وقال لها من تحت أخمصك الحشر
غدا غدوة والحمد نسج ردائه ... فلم ينصرف إلا وأكفانهُ الأجر
[(٦) البحتري]
هو أبو عبادة الوليد بن عبيد الطائي أشعر الشعراء بعد أبي نواس