ولما قتل الفضل لزم منزلة ونسك ولم يمدح أحداً حتى مات بجرجان سنة ٢٠٨ هـ?.
شعره: قد تكلف البديع في شعره واستكثر منه في قوله، ومزج كلام البدويين بكلام الحضريين فضمنه المعاني اللطيفة وكساه الألفاظ الظريفة. فله جزالة البدويتين ورقة الحضريين.
ومن جيد قوله:
تجودُ بالنَّفس إن ضنَّ الجوادُ بها ... والجودُ بالنفس أقصى غايةِ الجود
(٤) أبو العتاهية هو أبو إسحاق إسماعيل بن القاسم بن سويد، أطبع أهل زمانه شعراً وأكثرهم قولاً وأسهلهم لفظاً وأسرعهم بديهة وارتجالاً وأول من فتح للشعراء باب الوعظ والتزهيد في الدنيا والنهي عن الاغترار بها وأكثر من الحكمة.
ولد بالكوفة سنة ١٣٠ هـ? ونسا في عمل أهله وكانوا باعة جرار إلا أنه ربا بنفسه عن عملهم. وقال الشعر في صباه وامتزج بلحمه ودمه فذاع صيته وسلك طريق خلعاء الكوفة ثم قدم بغداد ومدح المهدي. ثم عرضت له حال امتنع فيها عن قول الشعر حتى حبسه الرشيد لعدم تلبيته ما اقترحه علي من القول فيه ثم أطلقه بعد أن أجاب طلبته وعاد إلى قول الشعر على عادته فيه، وترك الغزل والهجاء وبقي على ذلك مدة الرشيد والأمين وأكثر أيام المأمون حتى مات سنة ٢١١ هـ? ببغداد ومن شعره يمدح المهدي:
أتته الخلافةُ منقادةً ... إليه تجررُ أذيالها
فلم تك تصلح إلاَّ له ... ولم يكُ يصلح إلاَّ لها
ولو رامها أحدٌ غيره ... لزلزلتِ الأرضُ زلزالها
ولو لم تطعهُ بناتُ القلو ... ب لما قبلَ الله أعمالها
وأن الخليفة من بغضِ لا ... إليه ليبغضُ من قالها
وكتب على البديهة في ظهر كتاب:
ألا إنّنا كلّنا بائدُ ... وأيُّ بني آدمِ خالدُ
وبدؤهم كان من ربهمْ ... وكلٌّ إلى ربّه عائدُ
فيا عجباً كيف يعصي الإل ... هـ أم كيف يجحده الجاحدُ
ولله في كلّ تحريكة ... وفي كلّ تسكينةٍ شاهدُ
وفي كلّ شيءٍ له آيةٌ ... تدلُّ على أنهُ واحدُ
[(٥) أبو تمام]
هو أبو تمام حبيب بن أوس الطائي أسبق ثلاثة الشعراء الذين سارت بذكرهم الركبان. وخلد شعرهم الزمان. ثانيهم البحتري، وثالثهم المتنبيء ولد سنة ١٩٠ هـ? بقرية جاسم من أعمال دمشق ونقل صغيراً إلى مصر فنشأ بها فقيراً وكان يسقي الماء بالجرة في جامع عمرو. وتعلم العربية وحفظ ما لا يحصى من شعر العرب ونبغ في قوله، ثم خرج إلى مقر الخلافة فمدح المعتصم وحظي عنده ومدح وزيره محمد بن الزيات والحسن بن وهب الذي ولاه بريد المصل فأقام بها إلى أن مات سنة ٢٣١ هـ?.
شعره: يعد أبو تمام رأس الطبقة الثالثة من المحدثين، انتهت إليه معاني المتقدمين والمتأخرين وظهر والدنيا قد ملئت بترجمة علوم والأوائل وحكمتها