ظهر العرب وعمدة العرب في ضبط علومهم وآدابهم على الحفظ والرواية: فجاءهم من كتاب الله وسنة رسوله بالأمر الخطير، والعلم الكثير فكانت عنايتهم بحفظها في الصدور أكثر من كتابتها في السطور. ولما اتسع علم المسلمين بما أضيف إليهما من تفسير الصحابة والتابعين ومن أقوالهم في الدين تعدد طوائف الرواة للقرآن والحديث وفنون الأدب.
وإذا كان الإنسان عرضة للنسيان، وأحوال الناس تختلف في الصدق والكذب تشدد الصحابة والتابعون وتابعوهم في تصحيح الرواية وشدة التوثق من صدق الرواة تحرجاً منهم أن يدخل في الدين ما ليس منه.
ولما خاف سيدنا عمر بن عبد العزيز أن تموت السنة الصحيحة بموت رواتها وبما وضعه الزنادقة والشيعة والخوارج ودسوه فيها، أمر العلماء بتدوين الحديث وبقي الأمر في الشعر والأدب كما كان في الجاهلية: لكل شاعر راو أو عدة رواة. ومن أشهر هؤلاء هدبة بن خشرم رواية الحطيئة، وجميل رواية هدبة، وكثير رواية جميل، وأبو شفقل وعبيد أخو ربيعة بن حنظلة رواية الفرزدق، ومربع رواية جرير والفرزدق معاً، ومحمد بن سهل راوية الكميت، وصالح بن سليمان راوية ذي الرومة وذو الرمة راوية الراعي.
وبقي الأمر كذلك حتى أواخر هذا العصر فاشتعل العلماء بالرواية وصار الراوي منهم يروي لمئات من الشعراء والشواعر وإن لم يكن هو شاعراً وأكثر هؤلاء العلماء من الرواة أدرك عصر بني العباس فيذكر فيه. ومع تشدد الناس في تصحيح الرواية سنة وأدباً حدث في الشعر والخطب كثير من التصحيف والتحريف والنقص والزيادة ونحو ذلك.