هاجت عليّ رياح الأمل حتى دخلت في بحر عجاج متلاطم الأمواج فاقتحمت هذا المركب الصعب وتهت بين الجزائر والشعب فتعلقت أفكاري بالسواري والحبال وبت بليلة نجومها كواحل لا يرى فيها بر ولا سواحل وقلت اشتداد الأمر يستدعي ضده ولا يأتي الفرج إلا بعد الشدة، وعينيك ما سل سيفها على مفرق مساها حتى سمعت (بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا)[هود: ٤١] فكان من تمام حظي وسعودي أن تركت لجنة اليم (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيّ)[هود: ٤٤] وتنصرف خوفي وارتباكي وبادرت بطرح شباكي فإذا هي قد ملئت بأصداف الجوهر وعلقت بها شجرة العنبر فتفتح الصدف عن در يستخدم الأقمار وفاح العنبر بما أذهب شذى الأزهار.
وصرت ما بينها كسرى الزمان له ... شمسٌ تنادمه في مجلس عطر
ونلت أقصى أمان كنت آملها ... الأنس في خلدي والنور في نظري
ولما جلوت الطرف بما فيها من الظرف ووقعت ندي الموقع الحسن أردت أن أسومها بثمن فإذا هي درة يتيمة لا يقدر لها أحد على قيمة فاستهديتها من ربها لشغفي بحبها وجعلت القلب لها كنزاً والفؤاد لها حرزاً ألا وهي محة العزيز الحافظ أبدع مرئي وأبلغ لافظ.
["وكتب إبراهيم بك المويلحي المتوفى سنة ١٣٢٣ يعزي محمود باشا البارودي"]
أنت فوق أن تعزى عن الأحبا ... ب فوق الذي يعزيك عقلا
وبألفاظك اهتدي فإذا عزا ... ك قال الذي له لت قبلا
وقتلت الزمان علماً فما يغ ... رب قولاً ولا يجدد فعلا
نعم إن يا "محمود" الخصال و"سامي" الفعال لأنت الشهم المجرب لصروف الحدثان والعالم الخبير بأحوال الزمان قد أعددت لنوازل المقدور نزلاً من الصبر المأجور وصرفت ضيف الشجون والهموم إلى قرى الفضائل