ويمكن إرجاع جميع هذه التغيرات إلى ثلاثة أمور "الأول" ما يتعلق بالأغراض التي تؤديها اللغة "الثاني" ما يتعلق بالمعاني والأفكار "الثالث" ما يتعلق بالألفاظ والأساليب.
[أغراض اللغة]
لما قامت الدولة العباسية وتشبّه الخلفاء بملوك الفرس في أكثر أمور السياسة والمعيشة، وحاكتهم العامة في ذلك بتقليد أمثالهم من طبقات الأعاجم، تناولت اللغة في المشرق أغراضاً لم تعهد فيها من قبل بنقل علوم تلك الأمم وآدابها وعاداتها وطرق معيشتها. ثم تناولت هذه الأغراض في الغرب بعدئذٍ بفرق يسير فكان من تلك الأغراض ما يأتي:(١) تدوين العلوم الشرعية واللسانية والعقلية ولم يدون في صدر الإسلام من ذلك إلا نذر يسير، وكذا الترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية.
(٢) تأدية مقاصد الصناعات المختلفة، وخاصة بعد دخول العرب في غمار الصناع وبعد تغرب الأعاجم.
(٣) تأدية المقاصد التي استدعاها الانغماس في الترف بلذائد الحضارة التي جرت فيها الأمم عصر الدولة العباسية إلى أمد بعيد، أو اقتضاها نظام الملك والدفاع عنه. كالإمعان في وصف الأشياء النفسية مما لم يعرف للعرب في صدر الإسلام أو عرف وكان قليلاً ممقوتاً صاحبه، وكوصف البحر والأساطيل الحربية والمعارك البحرية. وامتاز بأكثر من ذلك المغرب والأندلس كما امتازت الأندلس بالإجادة في وصف مناظر الطبيعة ومحاسن الوجود لملائمة بيئتها لذلك، وكادت تلحق بها في الوصف صقلية وأفريقية إبان ازدهائهما.
(٤) تأدية مقاصد أنواع الخلاعة والسخرية مما قل نظيره في صدر الإسلام.