طلبت لأنفسها ألفاظاً تليق بها فيحسن اللفظ والمعنى جميعاً. وأما جعل الألفاظ متكلفة والمعاني تابعة لها فهو شأن من لهم شغف بإيراد شيء من المحسنات اللفظية فيصرفون العناية إليها ويجعلون الكلام كأنه غير مسوق لإفادة المعنى. فلا يبالون بخفاء الدلالات وركاكة المعنى ومن أعظم ما يليق بمن يتعاطى الإنشاء أن يكتب ما يراد لا ما يريد كما قيل في الصاحب والصابئ: أن الصابئ يكتب ما يراد والصاحب يكتب ما يريد.
(عن آداب المنشئ ببعض تصرف)
[فصاحة الألفاظ ومطابقتها للمعاني]
فصاحة الألفاظ تكون بثلاثة أوجه: الأول مجانبة الغريب الوحشي حتى لا يمجه سمع ولا ينفر منه طبع. والثاني تنكب اللفظ المبتذل والعدول عن الكلام المسترذل حتى لا يستسقطه خاصي ولا ينبو عنه فهم عامي كما قال الجاحظ في "كتاب البيان": أما أنا فلم أر قوماً أمثل طريقة في البلاغة من الكتاب وذلك أنهم قد التمسوا من الألفاظ ما لم يكن متوعراً وحشياً ولا ساقطاً عامياً.
والثالث أن يكون بين الألفاظ ومعانيها مناسبة ومطابقة. أما المطابقة فهي أن تكون الألفاظ كالقوالب لمعانيها فلا تزيد عليها ولا تنقص عنها. وأما المناسبة فهي أن يكون المعنى يليق ببعض الألفاظ إما لعرف مستعمل أو لاتفاق مستحسن حتى إذا ذكرت تلك المعاني بغير تلك