إذا أتيتَ أبا مروان تسأله ... وجدته حاضراه الجودُ والحسب
ترى إليه رفاقَ الناس سائلة ... من كل أوبٍ على أبوابه عصبُ
يحتضرون سجالا من فواضله ... والخيرُ محتضر أبوابه عصبُ
والمطعم الكوم لا ينفك يعقرها ... إذا تلاقى رواق البيت واللهبُ
كأن حيرانها في كل منزلةٍ ... قتلى مجردة الأوصال تستلبُ
ومن أفضل شعره قوله:
والناس همهم الحياة ولا أرى ... طول الحياة يزيد غير خبال
وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ... ذخراً يكون كصالح الأعمال
[(٨) الفرزدق]
هوب أبو فراس همام بن غالب التميمي الدارمي أفخر ثلاثة الشعراء الأمويين وأجزل المقدمين في الفخر والمدح والهجاء.
ولد سنة ١٥ هـ ونشأ بالبصرة. وأتى بها أبوه يوماً إلى أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه فسأله عنه. فقال ابني يوشك أن يكون شاعراً مجيداً. فقال له أقرئه القرآن فأقرأه وحفظه ثم رحل إلى خلفاء بني أمي بالشام ومدحهم ونال جوائزهم، وأخص من كان يمدحه منهم عبد الملك بن مروان ثم أولاده من بعده. وكان الفرزدق فوق إقذاعه في الهجو وفحشه في السباب وقذف المحصنات يرمى بالفجور وقلة التمسك بشعائر الدين ثم تاب في أواخر شيخوخته على يد حسن البصري. وكان فيه تشيّع يستره أيام اختلافه إلى بني أمية ثم كاشف به آخر حياته حتى أمام الخليفة هشام عندما رأى الناس تفسح طريق الطواف بالكعبة مهابة وإجلالاً لعلي بن الحسين فسأله عنه كالمتجاهل لأمره، فشق ذلك على الفرزدق