لا حبذا الشيبُ الوفيُ وحبذا ... ظلُّ الشّباب الخائنِ الغذَّار
وطري من الدَّنيا الشّباب وروقهُ ... فإذا انقضى فقد انقضت أوطاري
قصرت مسافته وما حسناته ... عندي ولا آلاؤه بقصار
نزداد همَّا كلّما ازددنا غنى ... والفقر كلُّ الفقر في الإكثار
ما زاد فوقَ خلّفَ ضائعاً ... في حادث أو وارث أو عار
إني لأرحم حاسديّ لحرّما ... ضمنتْ صدورهم من الأوغار
نظروا صنيع الله بي فعيونهم ... في جنَّة وقلوبهم في نار
لا ذنب لي قد رمت كتم فضائلي ... فكأنما بزقعتُ وجهَ نهار
وسترتها بتواضعي فتطلّعت ... أعناقها تعلو على الأستار
ومن الرجال معالمٌ ومجاهل ... ومن النجُّوم غوامضٌ ودراري
والناس مشتبهون في إيرادهم ... وتفاضل الأقوام في الإصدار
عمري لقد أوطأتهم طّرق العلا ... فعموا فلم يقفوا على آثاري
لو أبصروا بقلوبهم لاستبصروا ... وعمى البصائر من عمى الأبصار
هلاّ سعوا سعي الكرام فأدركوا ... أو سلّموا لمواقع الأقدار
وفشت خيانات الثّقات وغيرهم ... حتى اتّهمنا رؤية الأبصار
ولربما اعتضدَ الحليم بجاهل ... لا خير في يمنى بغير يسار
[ولأبي البقاء صالح بن شريف الرندي المتوفى سنة ٧٩٨ هـ? يرثي الأندلس]
لكلّ شيءٍ إذا ما تمّ نقصانُ ... فلا يغرَّ بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول ... منْ سرّه زمنٌ ساءتهُ أزمان
وهذه الدّار لا تبقى على أحد ... ولا يدوم على حالٍ لها شان
يمزّق الدّهر حتماً كل سابغةً ... إذ انبتْ مشرفيات وخرصانُ
وينتضي كلَّ سيفٍ للفناءِ ولو ... كان ابن ذي يزنٍ والغمدَ غمدان