للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولدُ المعزى بعضهُ فإذا مضى ... بعضُ الفتى فالكلّ في الآثار

أبكيه ثم أقولُ معتذراً لهُ ... وفّقت حين تركت ألام دار

جاوزتُ أعدائي وجاور ربّهُ ... شتّان بين جواره وجواري

أشكو بعادكَ لي وأنت بموضع ... لولا الرَّدى لسمعت فيه مزاري

والشّرق نحو الغرب أقرب شقّةً ... من بعد تلك الخمسة الأشبار

هيهات قد علقتك أسباب الرَّدى واغتالَ عمرك قاطعُ الأعمار

ولقد جريتَ كما جريتُ لغايةٍ ... فبلغتها وأبوك في المضمار

فإذا نطقتُ فأنت أوَّلُ منطقي ... وإذا سكت فأنت في أضماري

أخفي من البرحاءِ ناراً مثل ما ... يخفى من النار الزّناد الواري

واخفض الزَّفرات وهي صواعد ... وأكفكفُ العبرات وهي جوار

وشهابُ نارِ الحزنِ إنْ طاوعتهُ ... أورى وإن عاصيتهُ متواري

وأكفُّ نيرانَ الأسى ولربما ... غلب التصبُّرُ فارتمتْ بشرار

ثوبُ الرّياءِ يشفُ عمّا تحته ... وإذا التحفتَ به فإنك عار

قصرت جفوني أن تباعدَ بينها ... أم صوّرتْ عيني بلا أشفار

جفّت الكرى حتى كانّ غراره ... عند اغتماص العين وخزُ غرار

ولو استزارت رقدةٌ لطحا بها ... ما بين أجفاني من التَّيار

أحيي اللّيالي التّيم وهي تميتني ... ويميتهنَّ تبلُّج الأسحار

حتى رأيت الصُّبح تهتك كفُّه ... بالضَّوءِ رفرف خيمة كالقار

والصُّبح قد غمرَ النُّجوم كأنه ... سيلٌ طغى فطفا على النُّوَّار

لو كنتَ تمنعُ خاض دونك فتيةٌ ... منّا بحارَ عوامل وشفار

ودحوا قويق الأرض أرضاً من دم ... ثم انثنوا فبنوا سماء غبار

قومٌ إذا لبسوا الدُّروع حسبتها=خلجاً تمدُّ بها أكفّ بحار لو شرَّعوا إيمانهم في طولها=طعنوا بها عوض القنا الخطَّار

جنبوا الجياد إلى المطيّ وراوحوا ... بين السُّروج هناك وأكوار

وكأنما ملؤوا عيابَ دروعهم ... وغمود أنصلهم سرابَ قفار

وكأنما صنعُ السوابغِ عزَّه ... ماءُ الحديد فصاغ ماءَ قرار

زرداً فأحكم كل موصل حلقةٍ ... بحبابةٍ في موضع المسمار

فتسربلوا بمتون ماءٍ جامدٍ ... وتقنَّعوا بحبابِ ماء جار

أسدٌ ولكن يؤثرون بزادهم ... والأسدُ ليس تدينُ بالإيثار

يتزيَّن النَّادي بحسن وجوههم ... كتزيُّن الهالات بالأقمار

يتعطّفون على المجاور فيهم ... بالمنفسات تعطُّفَ الآظار

من كلّ منْ جعل الظُّبى أنصاره ... وكومنَ واستغنى عن الأنصار

وإذا هو اعتقل الفتاة حسبتها ... صلاَّ تأبطهُ هزبزٌ ضار

والليث إن ثاورتهُ لم يعتمد ... إلا على الأنياب والأظفار

زردُ الدّلاص من الطّعان يريحه ... في الجحفل المتضايق الجرَّار

ما بين ثوب بالدّماء مضمّخٍ ... زلقٍ ونقعٍ بالطّرد مثار

والهونُ في ظلّ الهواينا كامنٌ ... وجلالة الأخطار في الإخطار

تندى أسرّة وجهه ويمينه ... في حالة الإعسار والإيسار

ويمدُّ نحو المكرمات أناملاً ... للرّزق في أثنائهنَّ مجار

يحوي المعاليَ كاسباً أو غالباً ... أبداً يدارى دونها ويداري

قد لاح في ليل الشّباب كواكب ... إن أمهلت آلت إلى الإسفار

وتلهُّبُ الأحشاءِ شيّب مفرقي ... هذا الضياءُ شواظ تلك النار

شاب القذال وكلُّ غصن صائرٌ ... فبنانه الأحوى إلى الإزهار

والشّبه منجذبٌ فلم بيضُ الدُّمى ... عن بيض مفرقه ذوات نفار

وتودّ لو جعلت سوادَ قلوبها ... وسوادَ أعيتها خضابَ عذّار

لا تنفرُ الظبيات عنه فقد رأت ... كيف اختلاف النّبتِ في الأطوار

شيئان ينقشعان أوَّلَ وهلة ... ظلُ الشباب وخلّة الأشرار

<<  <  ج: ص:  >  >>