بمواقع الكلام وبدئه، وامنعه من الضحك إلا في أوقاته بتعظيم بني هاشم إذا دخلوا عليم ورفع مجالس القواد إذا حضروا مجلسه ولا تمرن بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه فتميت ذهنه ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه وقومه ما استطعت بالقرب والملاينة فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة.
["ومن وصية ابن شداد لابنه"]
عليك بتقوى الله العظيم وليكن أولى الأمور شكر الله وحسن النية في السر والعلانية فإن الشكور يزداد والتقوى خير زاد وكن كما قال الحطيئة:
ولستُ أرى السّعادةَ جمعَ مالٍ ... ولكنّ التّقيّ هو السّعيدُ
وتقوى الله خير الزّاد ذخراً ... وعندَ الله للأتقى مزيدُ
ثم قال: أي بني لا تزهدن في معروف فإن الدهر ذو صروف والأيام ذات نوائب على الشاهد والغائب فكم من راغب قد كان مرغوباً إليه وطالب أصبح مطلوباً ما لديه: واعلم أن الزمان ذو ألوان ومن يصحب الزمان يرى الهوان.
ثم قال: أي بني كن جواداً بالمال في موضع الحق. بخيلاً بالأسرار عن جميع الخلق فإن أحمد جود المرء الإنفاق في وجه البر وأن أحمد بخل الحر الضن بمكتوم السر وكن كما قال قيس بن الخطيم:
أجودُ بمكنون التِّلاد وإنّني ... بسرّك عمّن سالني لضنينُ
إذا جاوزَ الإثنين سرُّ فإنه ... بنث وتكثير الحديث قمين
وعندي له يوماً إذا ما ائتمنتني ... مكانٌ بسوداء الفؤاد مكين
ثم قال: أي بني وإن غلبت يوماً على المال فلا تدع الحيلة على حال فإن الكريم يحتال والدنيء عيال وكن أحسن ما تكون في الظاهر حالاً أقل ما تكون في الباطن مالاً فإن الكريم من كرمت طبيعته وظهرت عند الأنفاذ نعمته.
ثم قال: أي بني وإن سمعت كلمة من حاسد فكن كأنك لست بالشاهد فإنك إن أمضيتها حيالها رجع العيب على من قالها وكان يقال الأريب العاقل هو الفطن المتغافل.
["وصية بعض نساء العرب إلى ابنها وقد أراد السفر"]
قال أبان بن تغلب وكان عابداً من عباد أهل البصرة شهدت أعرابية وهي توصي ولداً لها يريد سفراً وهي تقول له.
أي بني أجلس أمنحك وصيتي وبالله توفيقك فإن الوصية أجدى عليك من كثير عقلك. فقال أبان فوقفت مستمعاً لكلامها مستحسناً لوصيتها فإذا هي تقول. أي بني إياك والنميمة فإنها تزرع الضغينة وتفرق بين المحبين وإياك والتعرض للعيوب فتتخذ غرضاً وخليق ألا يثبت الغرض على كثرة السهام. وقلما اعتورت السهام غرضاً إلا كلمته حتى يهي ما اشتد من قوته. وإياك والجود بدينك والبخل بمالك. وإذا هززت فاهزز كريماً يلن لهزتك ولا تهزز اللئيم فإنه صخرة لا ينفجر ماؤها ومثل لنفسك مثال ما استحسنت من غيرك فاعمل به وما استقبحت من غيرك فاجتنبه فإن المرء لا يرى عيب نفسه ومن كانت مودته بشره وخالف ذلك منه فعله كان صديقه منه على مثل الريح في تصرفها، والغدر أقبح ما تعامل به الناس بينهم ومن جميع الحلم والسخاء فقد أجاد الحلة ريطتها وسربالها.