فإنه خص تهذيب الفكر بالدجى لكون الليل تهدأ فيه الأصوات وتسكن الحركات فيكون الفكر فيه مجتمعاً ومرآة التهذيب فيه صقيلة لخلو الخاطر وصفاء القريحة لاسيما وسط الليل.
قال أبو عبادة البحتري: كنت في حداثتي أروي الشعر وكنت أرجع فيه إلى طبع سليم ولم أكن وقفت له على تسهيل مأخذ ووجوه اقتضاب حتى قصدت أبا تمام وانقطعت إليه واتكلت في تعريفه عليه. فكان أول ما قال لي: يا أبا عبادة تخير الأوقات وأنت قليل الهموم صفر من الغموم واعلم أن العادة في الأوقات إذا قصد الإنسان تأليف شيء أو حفظه أن يختار وقت السحر وذلك أن النفس تكون قد أخذت حظها من الراحة وقسطها من النوم وخف عليها ثقل الغذاء. واحذر المجهول من المعاني وإياك أن تشين شعرك بالألفاظ الوحشية وناسب بين الألفاظ والمعاني في تأليف الكلام وكن كأنك خياط تقدر الثياب على مقادير الأجسام. وإذا عارضك الضجر فأرح نفسك لا تعمل إلا وأنت فارغ القلب ولا تنظم إلا بشهوة فإن الشهوة نعم المعين على حسن النظم. وجملة الحال أن تعتبر شعرك بما سلف من أشعار الماضين فما استحسن العلماء فاقصده وما استقبحوه فاجتنبه.
(عن خزانة الأدب وزهر الآداب باختصار)
[محاسن الإنشاء ومعايبه]
إن للنثر محاسن ومعايب يجب على المنشئ أن يفرق بينهما محترزاً من استعمال الألفاظ الغريبة وما يخل بفهم المراد ويوجب صعوبته ولابد من أن يجعل الألفاظ تابعة للمعاني دون العكس. لأن المعاني إذا تركبت على سجيتها