من الفصاحة والبلاغة أن يأتي بمثلها، أو يفكر في محاكاتها فهو آية الله الدائمة، وحجته الخالدة، (لاّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[فصلت: ٤٢] ، أنزل الله على رسوله ليبلغه قومنه وهم فحول البلاغة، وأمراء الكلام.
وأباه الضيم، وأربا الأنفة والحمية فيبهرهم بيانه، وأذهلهم افتتانه فاهتدى به من صح نظره واستحصف عقله، ولطف ذوقه، وصد عنه أهل العناد والمكارة واللجاج فتحداهم أن يأتوا بمثله فنكصوا ثم بعشر سور مثله فعجزوا، ثم بسورة من مثله فانقطعوا فحق عليهم إعجازه قال تعالى:(قُل لّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنّ عَلَىَ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هََذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)[الإسراء: ٨٨] .
وللقرآن فضل على اللغة فقد أثر فيها ما لم يؤثره أي كتاب سماوياً كان أو غير سماوي في اللغة التي كان بها، إذا ضمن لها حياة طيبة وعمراً طويلاً، وصانها من كل ما يشوه خلقها ويذوي غضارتها فأصبحت وهي اللغة الحية الخالدة ومن بين اللغات القديمة التي انطمست آثارها، وصارت في عداد اللغات التاريخية الأثرية وأنه قد أحدث فيها علوماً جمة وفنوناً شتى لولاه لم تخطر على قلب، ولم يخطها قلم منها، والنحو، والصرف، والاشتقاق، والمعاني، والبديع، والبيان والأدب والرسم، والقراءات، والتفسير، والأصول، والتوحيد والفقه.
[جمع القرآن وكتابته]
قد نزل القرآن الكريم على رسول الله صل الله عليه وسلم منجماً تعلى حسب الوقائع ومقتضيات الأحوال في بضع وعشرين سنة، وكان عليه الصلاة والسلام يأمر كتابة وحيه بكتابة ما ينزل وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن كله مكتوب، وفي صدور الصحابة محفوظ، وفي مدة الإمام عثمان كثرت الفتوحات وانتشر القراء في الأمصار فأمر عثمان زيد بن ثابت وعد الله بن الزبير وسعيد بن العاص ونعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوا تلك الصحف في