والأموية الثانية في الأندلس، من الأمور التي ينشأ عنها كثير من الانقلابات السياسية والمذهبية والاجتماعية. وكان ذلك يستدعي تأليف العصابات ودعوة الناس إلى التشيع لأصحاب الأحزاب كانت دواعي الخطابة متوافرة لتوافر أسبابها. فكان بين قواد هذه الدول ودعاتها وخلفائها ورؤساء وفودها خطباء مصاقع، ثم لما فترت هذه الدواعي باستقرار الدول. واشتد اختلاط العرب بالأعاجم. وتولى كثير من الموالي قيادة الجيوش وعمالة الولايات والمواسم، ضعف شأن الخطابة لضعف قدرتهم عليها، فلم يمض قرن ونصف من قيام تلك الدول حتى بطل شأن الخطابة إلا قليلاً في المغرب أيام الحفل وقدوم الوفود وبقيت الخطابة قاصرة على خطب الجمعة والعيدين والمواسم وخطب الزواج ونحو ذلك. وقل فيها الارتجال أو عدم جملةً، وحل محل الخطابة في الأمور السياسية نشر المنشورات، وفي الأمور الدينية مجالس الوعظ والتدريس في المساجد والمدارس، واشتهر في صدر الدولة العباسية خطباء أشهرهم داود بن علي، وشيب بن شيبة.
[داود بن علي]
هو داود بن علي بن عبد الله بن عباس خطيب بني العباس، وأحد مؤسسي دولتهم، نشأ هو وأخوته (وكانوا اثنين وعشرين رجلاً) في قرية الحميمة من أعمال عمّان، وكان الوليد بن عبد الملك أجلى علي بن عبد الله بن عباس وأهل بيته إليها سنة ٩٥ هـ غضباً عليه.
وكان داود أحد النابغين من إخوانه، وكان بليغهم ولسانهم وأخطبهم في وقته. وعاجلته منيته قبل أن يستطير سلطانه في الدولة. ولاه أبو العباس عقب بيعته بالكوفة ولاية الكوفة وسوادها، ثم ولاه إمارة الحج في هذه السنة وولاه معها ولاية الحجاز واليمن واليمامة، فقتل من ظفر به من بني أمية في مكة والمدينة سنة ١٣٢هـ وهو أول موسم ملكه بنو العباس وخطبهم الخطبة الآتية وهي