وميز فصولها، وأطالها في بعض الشؤون، وقصرها في بعضها الآخر وأطال التحميدات في صدرها وجعل لها صوراً خاصة ببدئها وختمها على حسب الأغراض التي تكتب فيها، ويقال إنه لما ظهر أبو مسلم الخراساني بدعوة بني العباس كتب إليه مروان كتاباً يستجلبه وضمنه ما لو قرئ لأدى إلى وقوع الخلاف والفشل، وقال لمروان: قد كتبت كتاباً متى قرأه بطل تدبيره فإن يك ذلك وإلا فالهلاك، وكان الكتاب لكبر حجمه يحمل على جمل، فلما وصلا الكتاب إلى داهية خراسان أبي مسلم أمر بإحراقه قبل أن يقرأه وكتب على جذاذة منه إلى مروان:
محا السيف أسطارَ البلاغة وانتحى ... عليك ليوثُ الغاب من كلّ جانب
[٣ التدوين والتصنيف]
انقضى زمن الخلفاء الراشدين ولم يدون فيه كتاب إلا ما كان من أمر المصحف، وكان مرجع الناس في أمر دينهم دنياهم كتاب الله تعالى وسنة رسوله، فإذا اشتبه عليهم أمر من أمور الدين رجعوا إلى الخلفاء وفقهاء الصحابة.
ثم لما انتشر الإسلام زمن بني أمية واختلطت العرب ففسدت فيهم ملكة اللسان العربي وفشا اللحن وأشفقوا على القرآن من التحريف وعلى اللغة من الفساد دونوا النحو وكان أول من كتب فيه أبو الأسود الدؤلي وقد تلقى مبادئه عن الإمام علي، وأخذ عنه فتيان البصرة وخصوصاً الموالي إذ كانوا أحوج الناس إلى النحو واشتغل أهل الكوفة به ب أن فشا بالبصرة ولم ينقض هذا العصر حتى استغل به طبقتان من البصريين وطبقة من الكوفيين، ثم لما حدثت الفتن وتعددن المذاهب والنحل وكثرت الفتاوى والرجوع فيها إلى رؤساء ومات أكثر الصحابة، خافوا أن يعتمد الناس على رؤسائهم ويتركوا سنة رسول الله فأذن أمي المؤمنين عمر بن