[(٣) زهير بن أبي سلمى]
هو زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رياح المزني، ثالث فحول الطبقة الأولى من الجاهلية، وأعفهم قولاً، وأوجزهم لفظاً، وأغزرهم حكمة، وأكثرهم تهذيباً لشعره نشأ في غطفان وإن كان نسبة في مزينة، كمن بيت جل أهله شعراء: رجالاً ونساءً ت واختص زهير بمدح هرم بن سنان الذبياني المري وأول ما أعجبه من أمره وجب إليه مدحه حسن سعيه هو والحارث بن عوف في الصلح بين عبس وذبيان في حرب داحس والغبراء بتحملهما دامت القتلى التي بلغت ثلاثة آلاف بعير، وقال في ذلك قصيدته إحدى المعلقات السبع التي أولها:
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم ... بحومانة الدراج فالمتلثم
ثم تابع مدحه كما تابع هرم عطاءه حتى حلف ألا يمدحه زهير إلاى أعطاه ولا يسأله إلا أعطاه ولا يسلم عليه إلا أعطاه عبداً أو وليدة أو فرساً، فاستحيا زهير منه، فكان إذا رآه في ملأ قال: أنعموا صباحاً غير هرم وخيركم استثنيت وكان زهير سيداً كثير المال حليماً معروفاً بالورع متدنياً مؤمناً بالبعث والحساب كما يظهر من قوله:
فلا تكتمن الله مافي نفوسكم ... ليخفى ومهما يكتم الله يعلم
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ... ليوم الحساب أو يعجل فينقم
وعمر زهير ومات قبل البعثة بسنة ومن حكمه في معلقته:
وأعلم ما في اليوم والأمس قبله ... ولكنني عن عام مافي غد عم
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب ... نمته ومن تخطئ يعمر فيهرم
ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتق الشتم يشتم
ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله ... على قومه يستغن عنه ويذمم
ومن يوف لا يذمم ومن يهد قلبه ... إلى مطمئن البر لا يتجمجم
ومن هاب أسباب المناياينلنه ... وأن يرق أسباب السماء بسلم
ومن يجعل المعروف في غير أهله ... يكن حمده ذما عليه ويندم
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه ... يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
ومهما تكن عند امرئ من خليقة ... وإن خالها تخفى على الناس تعلم
شعره: اتفق أكثر الشعراء على أن زهيراً يفضل صاحبيه امرأ القيس والنابغة.
وكان زهير صاحب روية وتعمل تهذيب لما يقول ولا سيما مطولاته، حتى قيل إنه كان ينظم القصيدة في أربعة أشهر، ويهذبها في أربعة أشهر، ويعرضها على خواصه في أربعة أشهر فلا يظهرها إلا بعد حول، ولذلك يسمون بعض مطولاته الحوليات، ومكا سبق فيه غيره قوله يمدح هرماً: قد جعل المبتغون الخير في هرم=والسائلون إلى أبوابه طرقاً
من يلق يوماً على علاته هرماً ... يلق السماحة منه والندى خلقاً
لو نال حي من الدنيا بمكرمة ... أفق السماء لنالت كفه الأفقا