فلم تصدق اللاتي مشين إلى أبي ... يهنّئنه بالفارس البطل النّدب
["وصف نهج البلاغة للإمام المرحوم الشيخ محمد عبده المتوفى ستة ١٣٢٢ هـ?"]
أوفى لي حكم القدر بالإطلاع على كتاب (نهج البلاغة) صدفة بلا تعمل أصبته على تغير حال وتبلبل بال وتزاحم أشغال وعطلة من أعمال فحسبته تسلية وحيلة للتخلية فتصفحت بعض صفحاته وتأملت جملاً من عباراته من مواضع مختلفات ومواضيع متفرقات، وكان يخيل لي في كل مقام أن حروباً شبت، وغارات شنت وإن للبلاغة دولة، وللفصاحة صولة، وإن للأوهام عرامة وللريب دعارة، وإن جحافل الخطابة وكتائب الذرابة في عقود النظام وصفوف الانتظام، تنافح بالصفيح الأبلج والقويم الأملج وتمتلج المهج بروائع الحجج، وتفل دعارة الوساوس، وتصيب مقاتل الخوانس فما أنا إلا والحق منتصر، والباطل منكسر، ومرج الشك في خمود وهرج الريب في ركود، وغن مدبر تلك الدولة، وباسل تلك الصولة، هو حامل لوائها الغالب، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، بل كنت كلما انتقلت من موضع إلى موضع أحسّ بتغير المشاهد، وتحول المعاهد، فتارة كنت أجدني في عالم يعمره من المعاني أرواح عالية، في حلل من العبارات الزاهية، تطوف على النفوس الزاكية، وتدنو من القلوب الصافية.
توحى إليها رشادها وتقوم منها منآدها، وتنفر بها عن مداحض المزال، إلى جواد الفضل والكمال، وطوراً كانت تتكشف لي الجمل عن وجوده باسرة، وأنياب كاشرة وأرواح في أشباح النمور،، ومخالب النسور، وقد تحفزت للوثاب ثم انقضت للاختلاب، فجبلت القلوب عن هواها، وأخذت الخواطر دون مرماها،