عبد العزيز لأبي بكر محمد بن عمرو بن حزم في تدوين الحديث، انقضى هذا العصر ولم يدون فيه من علوم اللغة والدين غير النحو وبعض الحديث وبعض التفسير، وأما العوم الأخرى فيروى أن خالد بن يزيد بن معاوية حبب إليه مطالعة كتبا لأوائل من اليونان فترجمت له ونبغ فيها ووضع كتباً في الطب والكيمياء، وأن معاوية استقدم عبيد بن شربة من صنعاء فكتب له كتاب "الملوك وأخبار الماضين" وإن وهب بن منبه الزهري وموسى بن عقبة كتباً في ذلك أيضاً كتباً، وأن زياد بن أبيه وضع لابنه كتاباً في مثال قبائل العرب، وأن ماسرجويه متطبب البصرة تولي في الدولة المروانية ترجمة كتاب أهرون بن أعين من السريانية إلى العربية وأن يونس الكاتب بن سليمان ألف كتاباً في الأغاني ونسبتها إلى من غنى فيها ولم يلغ التصنيف شأواً يذكر.
[الشعر والشعراء في هذا العصر]
جاء النبي الكريم، والشعر ديون العرب، فأتاهم بالأمر العظيم والحادث الخطير، حاملاً بإحدى يديه القرآن يدعو الناس إلى توحيد الله والتمسك بالفضيلة وشاهراً بالأخرى سيف الحق لحماية هذه الدعوة وما كان أشد ذهولهم لخطبهما وانزعاجهم من وقعها، فهبوا يتحسسون الأول ويتمرسون أساليبه ومعانيه ويتفرسون ألفاظه ومغازيه، وما بين معاند تلمس مطعناً فيه، ومؤمن يستبينه ويهديه، وتأهبوا للثاني: ما بين ضال يناوئه، ومهند يعاضده، فصار لك صارفاً لهم عن التشاغل بالشعر محولاً مجرى أفكار المؤمنين منهم عن أكثر فنونه المتحرفة عن سنن الشرف والحق، وبغض إليهم تلك الفنون المرذولة إزراء القرآن على الشعر بقوله:(وَالشّعَرَآءُ يَتّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ {٢٢٤} أَلَمْ تَرَ أَنّهُمْ فِي كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ {٢٢٥} وَأَنّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ {٢٢٦} إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ اللهَ كَثِيراً وَانتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ الّذِينَ ظَلَمُوَاْ أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)[الشعراء: ٢٢٤ ٢٢٧] ولهذا لم يكف شعراء المسلمين عن قوله فيما يطابق روح القرآن.