ويرجحون أن القمر كان أزمان سحيقة على طبيعة تقرب من طبيعة أمه الأرض، فكان آهلاً بالحيوان والبنات، إلا أن صغر جسمه جعله يسبق الأرض في اليبس والبرودة، فتقبض وبرد وانتهت دنياه، وأصبح كإسفنجة مشعثة ذات شعب ونخاريب تكوينها من جنس تكوين الأرض.
ولقد خلق الله القمر مسخراً لأهل الأرض خاصة، فهو بعكسه نور الشمس عليهم هداية لهم في ظلمات البر والبحر، ولقد قضى الإنسان عصوراً ودهوراً وليس له مصباح في جنح الظلام غيره، ولا يزال كذلك لهل البدو وقبائل الهمج، وهو باختلاف أشكاله تقويم فطري لهم، فبإهلاله يعرف أول الشهر، وبالتربيع الأول يعرف ربعه، وببذره يعرف نصفه، وبالتربيع الأخير يعرف ثلاثة أرباعه، وبمحاقه تعرف نهايته.
وإذا مرن الإنسان على النظر في تقدير ضوئه وأوقات مطالعه عرف الشهر يوماً يوماً والليل ساعة ساعة، قال تعالى:(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنّاسِ وَالْحَجّ)[البقرة: ١٨٩] .
وباتحاد جذبه مع جذب الشمس للأرض ينشأ المد والجزر، وفائدتهما في تسهيل الملاحة لا تنكر، فكم من موانئ ومرافئ لولاهما لسدت برواسب الأنهار والسيول.
ولضوء القمر في إنضاج الثمار والبقول أثر أيما أثر، حتى إن بعضها لا ينمو ويزهو لونه إلا في لياليه البيض.
["الفن الخامس في المقامات"]
المقامة عبارة عن كتابة حسنة التأليف أنيقة التصنيف تتضمن نكتة