["وصف عاصفة لجلال الدين السيوطي المتوفى سنة ٩١١ هـ?"]
أتى عارض في ليل الجمعة التاسعة من جمادى الآخرة كانت فيه ظلمات متكاثفة وبروق خاطفة ورياح عاصفة فقويت أهويتها واشتد هبوبها فتافعت لها أعنة مطلقات وارتفعت لها صواعق مصفعات فرجفت لها الجدران واصطفق وتلاقت على بعدها واعتنقت، وثار بين السماء والأرض عجاج فقيل لعل هذه على هذه أطبقت وتحسب أن جهنم قد سال منها واد وعدا منها عاد وزاد عصف الرياح إلى أن انطفأت مصابيح النجوم ومزق أديم السماء ومحا ما فوقه من الرقوم لا عاصم من الخطف للأبصار ولا ملجأ من الخطب إلا معاقل الاستغفار وفر الناس نساء ورجالاً ونفروا دورهم خفافاً وثقالا لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فاعتصموا بالمساجد الجامعة وأذعنوا للنازلة بأعناق خاضعة ووجوه عانية ونفوس عن الأهل والمال سالية ينظرون من طرف خفي ويتوقون أي خطب جلي قد انقطعت من الحياة علقهم وعميت عن النجاة طرقهم ووقعت الفكرة فيما هم عليه قادمون وقاموا إلى صلاتهم وودوا أن لو كانوا من الذين هم عليها دائمون إلى أن أذن الله في الركود وأسعف الهاجدين بالهجود وأصبح كل يسلم على رفيقه ويهنئه بسلامة طريقه ويرى أنه قد بعث بعد النفخة وأفاق بعد الصيحة والصرخة وأن الله قد رد له الكرة وأدبه بعد أن كاد يأخذه على غرة ووردت الأخبار بأن كسرت المراكب في البحار والأشجار في القفار وأتلف خلق كثير من السفار ومنهم من وفر فلم ينفعه الفرار.