العرب لم تعرف موازين الشعر بتعلم قوانين صناعية وتعرف أصول وضعية وإنما كانت تنظم بطبعها على حسب ما يهيئه لها إنشادها وقد هدتهم هذه الفطرة إلى أوزان أرجعها الخليل إلى خمسة عشر وزناً سماها بحوراً وزاد عليها الأخفش بحراً وقد اكثروا النظم من بعضها دون بعض.
(راجع كتابنا "ميزان الذهب في بحور شعر العرب") وشعر العرب رجزه وقصيده يبني على قافية واحدة كيفما طال القول.
الشعراء
شعراء الجاهلية اكثر من أن يحاط بهم. ومن جهل منهم اكثر ممن عرف. وإنما اشتهر بعضهم دون بعض: لنبوغه، أو كثرة المروي من شعره أو قرب عهده من الإسلام زمن الرواية.
وكان للشعراء عند العرب منزلة رفيعة، وحكم نافذ وسلطان غالب، إذ كانوا ألسنتهم الناطقة بمكارمهم ومفاخرهم، وأسلحتهم التي يذودون بها عن حياض شرفهم (وكانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها، وصنعت الأطعمة وأتت النساء يلعبن بالمزاهر كما يصنعون في الأعراس، ويتباشر الرجال والولدان لأنه حماية لأعراضهم، وذب عن حياظهم وتخليد لمفاخرهم، وإشادة بذكرهم، وكانوا لايهنئون إلا بغلام يولد، أو شاعر ينبغ. أو فرس تنتج) .
وكانت طريقة نظم الشعر ارتجاله فتأتيهم ألفاظه عفوا، ومعانيه رهواً كما وقع للحارث بن حلزة وعمرو بن كلثوم. أما من اتخذه منهم صناعة يستدرها ويلتمس به الجوائز، وينشده في المحافل والمواقف العظام فإنه يتعهده بالتهذيب والتنقيح ليجعله رقيق الحاشية حسن الديباجة يصح أن يقال فيه أنه المثل الأعلى للشعر الجاهلي، كما ترى ذلك واضحاً في حوليات زهير واعتذاريات النابغة.