٢ هجرة اسماعيل عليه السلام إلى جزيرة العرب واختلاطه وبينه بالقحطانين بالمصاهرة والمجاورة والمحاربة والمتاجرة: وأظهر مواطن هذا الامتزاج مشاعر الحج والأسواق التي كانت تقيمها العرب في أنحاء بلادها، ومن هذه الأسواق عكاظ ومجنة وذو المجاز.
وأهمها سوق عكاظ: وكانت تقام من أول ذي العقدة إلى اليوم العشرين منه. وأقيمت تلك السوق بعد عام الفيل بخمس عشرة سنة وبقيت إلى ما بعد الإسلام حتى سنة تسع وعشرين ومائة. وكان يجتمع بهذه السوق أكثر أشراف العرب للمتاجرة، ومفاداة الأسرى والتحكيم في الخصومات وللمفاخرة بالشعر والخطب في الحسب والنسب والكرم والفصاحة والجمال والشجاعة وما شاكل ذلك. وكان من اشهر المحكمين بها في الشعر النابغة الذبياني. ومن أشهر خطبائها قس بن ساعدة الإيادي. وقد لهج الشعراء بذكرها في شعرهم. وحضرها منهم الرجال والنساء.
[كلام العرب]
الغرض من كلام العرب كغيره الإبانة عما في النفس من الأفكار ليكون مدعاة إلى المعاونة والمعاضدة. وذريعة إلى تسهيل أعمال الحياة.
ولما كانت هذه الأفكار لا تزال متجددة غير متناهية. كانت صور الكلام المبين عنها لا تزال كذلك متجددة خاضعة لقوى الاختراع والابتداع وأنواع الإنشاء والتأليف على حسب ما يقتضيه المقام فقد تصل صورة الكلام إلى الغاية القصوى في البلاغة، وقد تنحط صورة العبارة إلى الدرك الأسفل من الإبانة. بحيث لو انحطت عن ذلك لكانت عند الأدباء بأصوات الحجماوات أشبه، وبين الحالين مراتب، وجل بحث علم الأدب وتاريخه في التفاوت بين هذه المراتب ورجالها.