للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

["ووصف المفضل الضبي المتوفى سنة ٤٣٠ هـ? مروره ببعض أحياء العرب"]

روى المفضل الضبي قال نزل علينا بنو ثعلبة في بعض السنين وكنت مشغوفاً بسماع أخبار العرب وجمعها فأخذت أجول بين خيامهم وأتحسس من أحوالهم وإذا أنا بامرأة واقفة في فناء خبائها آخذة بيد غلام قلما رأيت مثله في حسنه وجماله وهي تعاتبه بلسان رطب وكلام عذب يسترق السمع ويترشفه القلب فكان أكثر ما أسمعه منها (بني وأي بني) وهو يبتسم في وجهها وقد غلب عليه الحياء والخجل كأنه من ربات الحجال فلا يحير جواباً ولا يبدي خطاباً فاستحسنت ما رأيت واستحليت ما سمعت فدنوت فسلمت فرد علي السلام ووقفت أنظر إلى المرأة والغلام فقلت لي يا حضري ما حاجتك قلت الاستكثار ما أسمع والاستمتاع بما أرى فابتسمت وقالت يا هذا إن شئت سقت إليك ما هو أحسن مما رأيت فقلت هاتي حفظك الله قالت ولد هذا الغلام فكان ثالث أبويه فربي بيننا كأنه شبل وكنت أقيه برد الشتاء وحر الهجير حتى إذا ما تمت له خمس سنين أسلمته إلى المؤدب فحفظه القرآن فتلاه وعلمه الشعر فرواه ورغب في مفاخر قومه وطلب سنين أسلمته إلى المؤدب فحفظه القرآن فتلاه وعلمه الشعر فرواه ورغب في مفاخر قومه وطلب مآثر آبائه وأجداده فلما أن اشتد عظمه وكمل خلقه حملته على عتاق الخيل فتفرس وتمرس ولبس السلاح ومشي الخيلاء بين بيوتات الحي وأصغي إلى أصوات ذوي الحاجات فأخذ في قرى الضيف وإطعام الطعام وأنا عليه وجله أحرسه من العيون أن تصيبه ومن الألسن أن تعيبه إلى أن نزلنا في بعض الأيام منهلاً من المناهل بين أحياء العرب فخرج فتيان الحي في طلب ثأر لهم وشاء الله تعالى أن أصابت الغلام وعكة شغلته عن الخروج حتى إذا أمعن القوم ولم يبق في الحي غيره ونحن آمنون وادعون فوربك ما هو إلا أن أدبر الليل وأقبل الصبح حتى طلعت علينا طلائع العدو وغرر الجياد ثواراً لا زواراً فما كان إلا هنيهة حتى أحرزوا

<<  <  ج: ص:  >  >>