للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأموال وهو يسألني ما الخبر وأنا أستره عنه إشفاقاً عليه وضناً به حتى إذا علت الأصوات وبرزت المخدرات رمى دثاره وثار كما يثور الضرغام إذا أغضب فأمر بإسراج فرسه ولبس درع حربه وأخذ رمحه بيده وركب حتى لحق حماة القوم وأنا أنظر إليه فطعن أدناهم منه فرمى به ولحق أبعدهم فقلته فانصرفت إليه وجوه الفرسان فرآه غلاماً صغيراً لا مدد وراءه فحملوا عليه فأسرع يؤم البيوت حتى إذا خلفهم وراءه وامتدوا في أثره عطف عليهم ففرق شملهم وشتت جمعهم وقلل كثرتهم ومزقهم كل ممزق ومرق كما يمرق السهم من الرمية وناداهم خلوا عن المال فوالله لا رجعت إلا به أو لهلكن دونه فتداعت إليه الأقران وتمايلت نحوه الفرسان وتميزت له الفتيان وحملوا عليه وقد رفعوا إليه الأسنة ومالوا عليه بالأعنة فوثب عليهم وهو يزأر كالأسد وجعل لا يحمل على ناحية غلا حطمها ولا كتيبة إلا هزمها حتى لم يبق من القوم إلا من نجا به فرسه ففاز بالأموال وأقبل بها فكبر القوم عند رؤيته وفرحوا فرحاً عظيماً بسلامته فوالله ما رأينا قط يوماً كان أسمح صباحاً وأحسن رواحاً من ذلك اليوم ولقد سمعته ينشد في وجوه فتيات الحي هذه الأبيات:

تأمّلنَ فعلي هل رأيتنّ مثله ... إذا حشرجت نفس الكميّ عن الكربِ

وضاقتْ عليه الأرض حتى كأنه ... من الخوف مسلوب العزيمة والقلبِ

ألم أعطِ كلاَّ حقّه ونصيبه ... من السّمهري اللّدن والصارم العضب

أنا ابن أبي هند بن قيس بن خالد ... سليل المعالي والمكارم والسّيب

أبي لي أن أعطي الظلامةُ مرهفٌ ... وطرفٌ قوي الظهر والجوف والجنب

وعزمٌ صحيح لو ضربت بحده ... شماريخ رضوى لا نحططن إلى التّرب

وعوضٌ نقيّ أتقى أن أعيبه ... وبيت شريف في ذرى ثعلب الغلب

فإن لم أقاتل دونكن واحتمي ... لكنَّ وأحميكنّ بالطّعن والضّرب

<<  <  ج: ص:  >  >>