واحرص على ما جمع قول القائل ثلاثة تبقي لك الود في صدر أخيك أن تبدأه بالسلام، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب الأسماء إليه واحذر كل ما بينه لك القائل: كل ما تغرسه تجنيه إلا ابن آدم فإذا غرسته يقلعك وقول الآخر ابن آدم ذئب مع الضعف أسد مع القوة، وإياك أن تثبت على صحبة أحد قبل أن تطيل اختباره. ويحكى أن ابن المقفع خطب من الخليل صحبته فجاوبه أن الصحبة رق ولا أضع رقي في يديك حتى أعرف كيف ملكتك واستمل من عين من تعاشره وتفقد في فلتات الألسن وصفحات الأوجه ولا يحملك الحياء على السكوت عما يضرك أن لا تبينه فإن الكلام سلاح السلم وبالأنين يعرف ألم الجرح واجعل لكل أمر أخذت فيه غاية يجعلها نهاية لك.
وخذْ من الدّهر ما أتاك به ... من قرّ عيناً بعيشه نفعه
غذ الأفكار تجلب الهموم وتضاعف الغموم وملازمة القطوب عنوان المصائب والخطوب يستريب به الصاحب ويشمت العدو والمجانب ولا تضر بالوساوس إلا نفسك لأنك تنصر بها الدهر عليك، ولله در القائل:
إذا ما كنتَ للأحزان عوناً ... عليك مع الزمان فمن تلوم
مع انه لا يرد عليك الغائب الحزن ولا يرعوي بطول عتبك الزمن.
ولقد شاهدت بغرظ ناطة شخصاً قد ألقته الهموم وعشقته الغموم ومن صغره إلى كبره لا تراه أبداً خلياً من فكرة حتى لقب "بصدر الهم" ومن أعجب ما رأيته منه أنه يتنكد في الشدة ولا يتعلل بأن يكون بعدها فرج ويتنكد في الرخاء خوفاً من أن لا يدوم. وينشد:"توقع زوالاً إذا قيل تم" وينشد "وعند التناهي يقصر المتطاول".
وله من الحكايات في هذا الشأن عجائب ومثل هذا عمره محسور يمر ضياعاً،