للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسبوع أمد تمتد فيه موائد الجود والإنعام فأخبار أخياري سارت بها الركبان وماست بنسيم رقتها معاطف البان وقدري فوق ما تصفه الألسن وعندي (مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذّ الأعْيُنُ) [الزخرف: ٧١] فدع عنك قول الزور والمين (فقد بين الصبح لذي عينين) ولما أفاض النهار في حديث يفضح الأزهار أبدع في كنايته وتلويحه وأعرب في تعريضه وتصريحه (ابتدر له الليل) وأجلب عليه بالرجل والخيل وامتطى جواده الأدهم واعتم بعمامة سوداء وتلثم فأنسى بفتكاته عنترة بني عبس حين أمسى يتعود عمارة بالقتل والرمس ثم نشر في الأفق ذوائبه السود وعبس وبسر فأسر بسطوته الأسود وقال: (فَلاَ أُقْسِمُ بِالشّفَقِ {١٦} وَاللّيْلِ وَمَا وَسَقَ {١٧} وَالْقَمَرِ إِذَا اتّسَقَ) [الانشقاق: ١٦ ١٨] لأسبينّ رومي النهار ولأجعلنّه عبرة لذوي الاعتبار لقد تزيا المملوك بزي الملوك وادعى مقام الوصول إلى صاحب السير والسلوك أما كفاه ازدرائي وتحقيري حتى حكم بتضليلي وتكفيري كم أسبلت على عوراته ذيل ستري وهو لا يبالي بهتك أستاري وكم أودعت مكنون سره في خزانة سري وهو يبوح بمصون أسراري أفّ له من فاضح أما يكفيه ما فيه من المفاضح.

أنمُّ بما استودعتهُ من زجاجةٍ ... يرى الشيءُ فيها ظاهراً وهو باطنُ

كيف احتجَّ لتقدمه بحديث جابر مع أن ما رواه لكسرى أعظم جابر فإنه برهن على تقدمي عليه لو أدرك سر ما أومأ إليه وعلام جعل السواد على النقص علامة وهو مشتق من السؤدد لدى كل علامة أما درى أني حزت من الكمال الحظ الأوفر حتى تحلى ببديع وصفي العنبر والمسك الأذفر.

إن كنتُ عبداً فنفسي حرةٌ كرماً ... أو أسود الخلق إني أبيض الخلق

وهل يزري بالخال سواده البارع أو يغري بالبرص بياضه الناصع وفي بياض المشيب عبرة وأي عبرة فكم أجرى من الآماق أعظم عبرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>