اليوم من يمدحه بالأمس، وكل قبيلة تخطب وده وتنقي شر لسانه حتى أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حبس الحطيئة فما زال يستشفع إليه الناس وقول الشعر حتى أطلقه وهدده بقطع لسانه إن هجا أحداً، واشترى منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم، وكنه نكث وأوغل في الهجاء بعد موت عمر، وبقي كذلك حتى مات أوائل خلاف معاوية.
شعره: لولا ما وصم به الحطيئة من خسة النفس ودناءة الخلق وجهالة النسب لكان بإجادته في كل ضرب من ضروب الشعر شاعر المخضرمين على الإطلاق إلا أنه لم يقف ببراعته وفصاحته موقفاً لله ولا للشرف، وقلما يوجد في كلام الحطيئة مظنة ضعف أو مغمز لغامز من ركاكة لفظ أو غضاضة معنى أو اضطراب قافية ومن مدحه الذي لا يلحق فيه غبار قوله:
يسوسون أحلاماً بعيداً أناتها ... وإن غضبوا جاء الحفيظة والجد
أقلوا عليهم (لا أبا لأبيكم) ... من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
وإن كانت النعماء فيهم جزوا بها ... وإن أنعموا لا كدروها ولا كدروا
مطاعين في الهيجا مكاشيف للدجى ... بنى لهم آباؤهم وبنى الجد
ويعذلني أبناء سعد عليهم ... وما قلت إلا بالذي علمت سعد
ومن أبياته التي استعطف بها أمير المؤمنين عمر وهو في سجينه قوله: ط
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ ... زغب الحواصل لا ماءٌ ولا شجر
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة ... فاغفر عليك سلام الله يا عمر
أنت الأمين الذي من بعد صاحبه ... ألقي إليك مقاليد النهى البشر
لم يؤثروك بها إذا قدموك لها ... لكن لأنفسهم كانت بك الخير