للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي فعله عمر - رضي الله عنه - اشتهر بين الصحابة، ولم ينكره منكرٌ، ولا خالفه فيه واحدٌ منهم البتةَ، واستقرَّ عليه عمل الخلفاء والأئمة بعده، فلا يجوز أن يكون خطأً أصلًا.

وقد نصَّ الشافعي على استحباب العمل به فقال (١): الواجب على كل رجل دينارٌ، لا يُجزئ أقلُّ من ذلك. فإن كان الذميّ مُقِلًّا ولم يكن مُوسِرًا ولا متوسطًا عقد له الإمام الذمة على دينارٍ في كل سنةٍ. وإن كان متوسطًا فيستحبُّ أن يقول له الإمام: جزيةُ مثلك ديناران، فلا أعقد لك ذمةً على أقلَّ منهما، ويحمل عليه بالكلام، فإن لم يقبل حملَ عليه بعشيرته وأهله، فإن لم يقبل وأقام على بذل الدينار قَبِل منه وعَقَد له الذمة. وإن كان موسرًا فيستحب أن يقال: جزيةُ مثلك أربعة دنانير لا أقبل منك أقلَّ منها، ويتحامل عليه بالكلام، ويحمل عليه بعشيرته وقومه، فإن لم يفعل وأقام على بذل الدينار قبل منه وعُقِدت له الذمة عليه.

قلت: ولا يخلو حديث معاذٍ من أحد وجوهٍ ثلاثةٍ:

الأول: أن يكون أمره بذلك؛ لأن الغالب على أهل ذمة اليمن إذ ذاك الفقر. وقد أشار مجاهدٌ إلى ذلك في قوله: إنما جُعِل على أهل الشام ثمانيةٌ وأربعون درهمًا من أجل اليسار.

الوجه الثاني: أنهم كانوا قد أُقرُّوا بالجزية، ولم يتميز الغني منهم من الفقير،


(١) لم أجد قوله في "الأم" ولا غيره من المصادر التي رجعتُ إليها.