للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والصحابة إذ ذاك لم يسكنوا اليمن، بل كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ هو حيٌ بين أظهرهم، فلما لم يتفرَّغوا لتمييز غنيهم من فقيرهم جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجزية كلها طبقة واحدةً. فلما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتفرق الصحابة في البلاد وسكنوا الشام تفرغوا لتمييز طبقات أهل الذمة، ومعرفةِ غنيهم وفقيرهم ومتوسطهم، فجعلوهم ثلاث طبقاتٍ، وأخذوا من كل طبقةٍ ما لا يَشُقُّ عليهم إعطاؤه.

الوجه الثالث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقدِّرها تقديرًا عامًّا لا يقبل التغيير، بل ذلك موكولٌ إلى المصلحة واجتهاد الإمام. فكانت المصلحة في زمانه أخذَها من أهل اليمن على السواء، وكانت المصلحة في زمن خلفائه الراشدين أخذَها من أهل الشام ومصر والعراق على قدر يَسارِهم وأموالهم. وهكذا فعلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه أخذها من أهل نجران حُلَلًا في قِسطَينِ، قسطٍ في صفرٍ وقسطٍ في رجبٍ.

وقال مالك (١): عن نافعٍ عن أسلم أن عمر - رضي الله عنه - ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير، وعلى أهل الورق أربعين درهمًا، ومع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيامٍ.

وقال الليث بن سعدٍ: عن كثير بن فَرْقدٍ ومحمد بن عبد الرحمن [عن نافعٍ] عن أسلم، عن عمر - رضي الله عنه -: أنه ضرب الجزية على أهل الشام ــ أو قال:


(١) في "الموطأ" (٧٥٧) ومن طريقه أخرجه أبو عبيد (١٠٣). وأخرجه أيضًا عبد الرزاق (١٠٠٩٠، ١٠٠٩٥) ... وأبو عبيد (١٠٤) وابن زنجويه (١٥٥، ١٥٦) من طرق عن نافع به مطولًا ــ وسيأتي لفظه ــ ومختصرًا.