للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن الهجاء فيه من الفساد ما في غيره من الكلام (١) وأبلغ، فإذا كان غيره من الكلام نقضًا فهو أن يكون نقضًا أولى. ولهذا قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - جماعةً من النسوة اللاتي كنَّ يشتمنه ويَهْجونه (٢)، مع عفوه عمَّن كانت تعين عليه وتحض على قتاله.

الوجه الثامن: أن كعب بن الأشرف لم يلحق بدار الحرب مستوطنًا، ولهذا قدم المدينة وهي وطنه. والذمي إذا سافر إلى دار الحرب ثم رجع إلى وطنه لم ينتقض عهده. ولهذا لم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتل حُيَي بن أخطب وكان قد سافر معه إلى مكة.

الوجه التاسع: أن ما ذكروه حجةٌ لنا، وذلك أنه قد اشتهر عند أهل العلم من وجوهٍ كثيرةٍ: أن قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى اَلَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ اَلْكِتَابِ} نزلت في كعب بن الأشرف لِما قاله لقريشٍ. وقد أخبر الله سبحانه أنه لعنه ومن لعنه فلن تجد له نصيرًا. وذلك دليل على أنه لا عهد له، فلو كان له عهدٌ لكان يجب نصره على المسلمين، فعلم أن مثل هذا الكلام يوجب انتقاض عهده وعدم ناصره، فكيف بما هو أغلظ منه من شتمٍ وسبٍّ؟

وإنما لم يجعله النبي - صلى الله عليه وسلم - ــ والله أعلم ــ بمجرد ذلك ناقضًا للعهد لأنه لم


(١) في الأصل: «كلام»، والمثبت من «الصارم»
(٢) في الأصل: «يَهْجِينه» على لحن العامَّة، يقولون: «يدعون» للذكور، و «يدعين» للإناث! وهو على الصواب في «الصارم».
وجماعة النسوة اللاتي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتلهن: قَينتان لابن خطل كانتا تغنيان بهجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسارة مولاة لبعض بني عبد المطلب. انظر: «سيرة ابن هشام» (٢/ ٤١٠) و «زاد المعاد» (٣/ ٥٠١ - ٥٠٢) بتخريجي.