للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أهل العراق: أنه إن كان المال التالي هو الذي مر به بعينه في المرة الأولى لم يُؤخذ منه تلك السنةَ ولا من ربحه أكثرَ من مرةٍ؛ لأن الحق الذي قد لزِمَه فيه قد قضاه، فلا يُقضى حقٌّ واحدٌ من مالٍ مرتين. وإن مرَّ بمالٍ سواه أُخذ منه وإن جدَّد ذلك في كل عامٍ مرارًا، إذا كان قد عاد إلى بلاده ثم أقبل بمالٍ سوى المال الأول؛ لأن المال الأول لا يُجزئ عن الآخر، ولا يكون في هذا أحسنَ حالًا من المسلم. ألا ترى أنه لو مرَّ بمالٍ لم يُؤدِّ زكاته أُخذت منه الصدقة، ثم إن مرَّ بمالٍ آخر في عامه ذلك لم يكن أخذت منه الزكاة أنها تؤخذ منه من ماله هذا أيضًا؛ لأن الصدقة لا تكون قاضيةً عن المال الآخر؟ فهذا قدرُ ما في أهل الذمة.

فأما أهل الحرب، فكلهم يقول: إذا انصرف إلى بلاده ثم عاد بماله ذلك أو بمالٍ سواه، إنَّ عليه العُشْرَ كلَّما مرَّ به؛ لأنه إذا دخل دار الحرب بطلتْ عنه أحكام المسلمين، فإذا عاد إلى دار الإسلام كان مستأنفًا للحكم كالذي لم يدخلها قطُّ، لا فرقَ بينهما. وكلهم يقول: لا يُصدَّق الحربي في شيء مما يدَّعي من دَينٍ عليه، أو قولِه: إن هذا المال ليس لي، ولكن يؤخذ منه على كل حالٍ. إلا أن أهل العراق يقولون: يُصدَّق الحربي في خصلةٍ واحدةٍ، إذا مرَّ بجوارٍ فقال: هؤلاء أمهاتُ أولادي، قُبِل منه، ولم يؤخذ منه عُشر قيمتهن.

قلت: فقد حكى أبو عبيد الاتفاق على أن الحربي يُعشَر كلما دخل إلينا، وفرَّق بينه وبين الذمي. والذي نصَّ عليه الإمام أحمد والشافعي أنه لا يؤخذ منه في السنة إلا مرةً، وبعض أصحاب أحمد والشافعي قال: يؤخذ كلما دخل