للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما ما ادَّعاه الخيابرة (١) من وضع الجزية عنهم بعهدٍ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن ذلك زورٌ وبهتانٌ، وكذبٌ ظاهرٌ يعرفه أهل العلم والإيمان (٢)، لفَّقه القومُ البُهْتُ وزوَّروه، ووضعوه من تلقاء أنفسهم وتمَّموه، وظنُّوا أن ذلك يخفى على الناقدين، أو يَروجُ على علماء المسلمين، ويأبى الله إلا أن يكشفَ محالَ المبطلين وإفكَ المفترين.

وقد تظاهرت السنن وصحَّ الخبر بأن خيبر فُتِحت عنوةً، وأَوجف عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون الخيلَ والركاب، فعزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إجلائهم عنها كما أجلى إخوانَهم من أهل الكتاب، فلما ذكروا أنهم أعرفُ بسَقْيِ نخلها ومصالحِ أرضها أقرَّهم فيها كالأُجَراء، وجعل لهم نصفَ الانتفاع (٣)، وكان ذلك شرطًا مبينًا، وقال: "نُقِرَّكم فيها ما شئنا" (٤). فأقرَّ بذلك الخيابرة صاغرين، وأقاموا على هذا الشرط في الأرض عاملين، ولم يكن للقوم من الذِّمام والحرمة ما يوجب إسقاطَ الجزية عنهم دون من عداهم من أهل الذمة، كيف وفي الكتاب المشحونِ بالكذب والمَيْن: شهادةُ سعد بن معاذٍ وكان قد توفِّي قبل ذلك بأكثر من سنتين، وشهادة معاوية بن أبي سفيان، وإنما أسلم عامَ الفتح بعد خيبر سنة ثمان. وفي الكتاب المكذوب أنه أسقط عنهم الكُلَف والسُّخَر، ولم يكن على زمانه - صلى الله عليه وسلم - شيء


(١) أي أهل خيبر. وفي الأصل و"صبح الأعشى": "الجبابرة" تصحيف.
(٢) تقدم الكلام على ذلك في أول الكتاب.
(٣) في الأصل: "الارتفاع".
(٤) أخرجه البخاري (٢٣٣٨) ومسلم (١٥٥١/ ٦) من حديث ابن عمر، وقد سبق.